تنطلق رؤية 2030 من مرتكزات أساسية يأتي في مقدمتها الحد من اعتماد الدولة على النفط الخام والاستعاضة عن ذلك بتنوع مصادر الدخل للدولة تشمل مصادر اقتصادية وتنموية وبشرية تستعين بها الدولة في فترة ما بعد النفط، ولا ريب أن الجامعات يقع على كاهلها مسؤولية عظمى نحو تحقيق رؤية 2030 ولاسيما أن من أهداف هذه الرؤية أن تصبح خمس جامعات سعودية على الأقل من أفضل (200) جامعة دولية. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل واقع الجامعات يرقى لمستوى التطلعات المنوطة بها لتحقق رؤية 2030؟
أجد أنه من الصعوبة بمكان الحصول على إجابة دقيقة تشبع نهم المهتم بواقع ومستقبل التعليم العالي ولكن هذا لا ينفي وجود عقبات وتحديات تواجه التعليم العالي وتحتاج إلى جهود مضنية مع إصرار في العزيمة لنجتازها من أجل أن نجد أنفسنا قد حققنا رؤيتنا مع مطلع 2030 لذا حاولت جاهداً أن أسوق بعض المرئيات التي ربما تساعد صناع القرار في الجامعات في تحديد بوصلة الاتجاه السليم نحو تحقيق رؤية 2030 ومن أبرزها:
- منح الجامعات السعودية حرية في تحديد هويتها ورسم رؤيتها الخاصة بها ورسالتها وأهدافها التي تميزها عن غيرها من الجامعات الأخرى، وهذا سيخلق تنوعاً واختلافاً وتنافساً بين الجامعات من حيث خلق بيئة أكاديمية جاذبة للطلاب تلبي ميولهم الفكرية وتحقق تطلعاتهم وطموحهم العلمي فكل جامعة ستحدد لوائحها وأنظمتها وستطلق برامجها الأكاديمية التي تحقق بها أهدافها وترسخ فلسفتها التعليمية التي تتواءم مع تحقيق رؤية 2030 والتي تهدف إلى رفع مخرجات التعليم وتأهيل الطلاب علميا وفنيا وثقافيا وتعزيز مبادئ العمل الإيجابية فيهم ليتمكنوا من تلبية متطلبات قطاعات العمل الحكومية والقطاع الخاص وبذلك تكون الجامعات قد ردمت الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل وقد خطت خطوة جلية نحو الارتقاء بالمجتمع ليؤدي دوره في تنمية الوطن تنمية قائمة على سواعد أبنائه المفكرين ومستغنية عن العقول الوافدة من خارج حدود الوطن.
- مد جسور التواصل العلمي والتبادل المعرفي بين الجامعات السعودية وغير السعودية الرائدة في التخصصات العلمية والعلوم الإنسانية عبر الاستعانة ببعض الكفاءات الأكاديمية في الجامعات العالمية لتقديم دورات أكاديمية في الجامعات السعودية لكي يستفاد منهم في وسائل شتى منها معرفة الاستراتيجيات التعليمية العصرية التي تستخدم في نقل المعرفة للطلاب الجامعيين وكذلك الاستفادة من خبرتهم في الإشراف الأكاديمي على طلاب الدراسات العليا بهدف الارتقاء بالأداء الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية، ومن ثمار التعاون العلمي الشراكة البحثية مع بعض أساتذة الجامعات العالمية المتميزة بالإبداع البحثي للإفادة من خبرتهم في معرفة معايير النشرالعلمي، وهذه الفكرة تهدف إلى تقدَّم تصنيف الجامعات السعودية في التقييم العالمي للجامعات التي تعتمد عليه بعض المؤسسات العلمية التي تعنى بتقييم الجامعات العالمية مثل كواكاريلي سيموندس، ووتايمز هاير ايديوكيشن وهاتان مؤسستان تعنيان بشؤون الدراسات والمؤسسات التعليمية العليا ولاسيما في مجال النشر العلمي.
- الاهتمام بالترجمة وتفعيل دورها من أجل تنشيط الحركة العلمية فنحن نعيش زمن سباق علمي لم يشهد له التاريخ مثيلا والمتأمل في الدول المزدهرة تعليمياً وصناعيا واقتصاديا كاليابان يدرك أنها حشدت طاقاتها في سبيل ترجمة كمَ هائل من الكتب التي أسهمت في نهضتها التعليمية والصناعية والاقتصادية بخلاف واقع حركة الترجمة في السعودية التي تعاني من حالة ضمور فنسبة الكتب المترجمة ضئيلة للغاية فقد أشارت دراسة علمية أن نسبة ترجمة الكتب إلى اللغة العربية من عام 1351هـ إلى 1412هـ، ما يقارب من 472 عنواناً كان إنتاج الجامعات السعودية منها لا يتجاوز 15 في المئة فقط، لذا نأمل من الجامعات دعم حركة الترجمة ولاسيما ترجمة الكتب التي تخدم مشروع الرؤية 2030 اقتصادياً وصناعياً، وكذلك الأطروحات العلمية التي تصدر من قبل أساتذة الجامعات أو من قبل طلابنا المبتعثين فهذه الأطروحات العلمية تكون منفعتها فقط محصورة على من هم يجيدون اللغات الأجنبية لذا ينبغي إنشاء مراكز علمية للترجمة على غرار معهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز للترجمة والتعريب لتتسع دائرة الاستفادة منها وتعم أكبر عدد من الباحثين وناشدي المعرفة من أجل اللحاق بالأمم المتقدمة تعليمياً واقتصادياً وصناعياً.
- نتطلع من الجامعات إلى تكثيف جهودها في عقد مؤتمرات علمية في كافة التخصصات العلمية من علوم تجريبية ونظرية تكون تحت إشراف وإدارة عمادات الدراسات العليا وتكون الدعوة عامة لكافة الجامعات العالمية فالمؤتمرات العلمية تلعب دوراً كبيراً في بلورة شخصية الباحث الأكاديمي فتصقل مهاراته وتثريه علمياً وذلك عبر الحوارات العلمية التي تتضمنها برامجها وقد لا تكون تلك الحوارات أثناء إلقاء الأوراق العلمية بل تتجاوزها لتنبثق في اللقاءات الجانبية التي تحتضنها ردهات تلك المؤتمرات العلمية فهي تمثل بيئة علمية نقية ربما لا يجدها الباحث في غيرها، كما أن تلك الحوارات العلمية تساعد الباحث على تجاوز العراقيل التي تواجهه في مسيرته البحثية فقد أثبتت الدراسات أن ما يربو على 70% من المشاكل والمصاعب التي يواجهها الباحث يأتي تجاوزها عبر الحوارات الهادفة والبناءة التي تثريها تلك اللقاءات العلمية إضافة إلى ذلك فالمؤتمرات العلمية تساعد الباحث على عقد علاقات علمية واجتماعية مع باحثين تربطهم أواصر التخصص العلمي فتسمتر العلاقة بين الباحثين طيلة مشوار البحث يستنير الباحث خلال تلك الفترة بأفكارهم، ويستعين بهم بعد الله في خبراتهم لتجاوز العقبات التي ربما تصادفه في بحثه ولا تتأتى تلك الفرص إلا في مقابلتهم مباشرة في مثل تلك المؤتمرات العلمية.
- لا ريب أن رؤية 2030 تحمل مشروعا نهضوياً جباراً يشمل أبعاداً اقتصادية واجتماعية وصناعية وتعليمية وترتكز على العنصر البشري الذي هو سر تميزها ونجاحها ولا يتأتى ذلك النجاح إلا من خلال الجامعات التي يعول عليها أن تصنع جيلاً يستشرف المستقبل بخطى طموحة وأهداف مدروسة ويحمل صفة الاستقلالية في التفكير وروح المبادرة والمثابرة فكلي أمل أن الجامعات لديها هذه الرؤية ويحمل مديروها هاجس الرسالة التي تتواكب مع رؤية السعودية 2030 التي نتطلع إلى تحقيقها في قادم الأيام.
فيصل بن عبدالله السويدي - أكاديمي
alsuiadi@