د.فوزية أبو خالد
هذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن المواجهة البطولية التي يخوضها أبناؤنا البواسل على الحد الجنوبي، فقد كتبت عدة مقالات قبل ذلك بما لا يقابل وإن بلغ مليون مقال نقطة من الدماء الزكية التي يبذلها شبابنا بسخاء فداء للوطن، كما أن ما أكتب ويكتب غيري من الكُتاب أو المواطنين لن يعادل وإن فاق ما يُكتب البحرحبرا، دمعة واحدة تسقط من عيون أم أو طفل على استشهاد غال من الغوالي الذين حملوا أرواحهم على أكفهم ليموتوا نيابة عنا جميعا حماية للوطن.
ومع ذلك أو ربما لذلك لا تنفك تعتريني رهبة ومهابة كلما أردت أن أتقدم بكفي العارية لأكتب عن خط النار الذي يقفون عليه. ولا زال جبل اللغة يقف حائلا بيني وبين لوحة المفاتيح يتحدى عمري المعمر في الكتابة، كلما مددت صمامات قلبي لتمر الدماء الطاهرة عبر روحي قبل أن تقطر على الأرض فلا أستطيع الا التعفر بالتراب لأضيء الحرف الذي أريد الكتابة به عن تلك المواجهة الشجاعة المفتوحة التي يخوضها شبابنا اليوم على خاصرة الوطن جهة الحد الجنوبي.
أعرف ونعرف نحن المواطنين من وسط البلاد إلى مشارفها الأربع أن الشباب الوطني الذي يواجه الحديد والنار تحت شمس القيظ اللاهبة هناك جنوبا باستعداد مقدس مستميت للنصر أو الشهادة لا يحتاج مانكتبه هنا في مكاتب أو بيوت مكيفة ولكنها كلمة حق لهم في أعناق كل منا لأننا ندين لهم بشرف الكلمة وبشرف الحياة معا. فهم شباب أعطوا عهدا للوطن وحافظوا على شرف كلمتهم موفين بعهدهم أمام الله والوطن. وهم شباب التزاما منهم بشرف الكلمة يموتون من أجل أن نعيش ومن أجل أن يحيا الوطن حرا أبيا. وهم شباب لايواجهون نفرا محدودا من ميليشيات الحوثي والمخلوع بل يواجهون دولة إثنوقراطية مدججة تستخدم المخلوع والقناصة الحوثيين كقفاز قذر لأظلاف النظام الإيراني الطائفي التعصبي.
فهؤلاء الأبطال مثل بدر الغامدي ومشاري الشهراني فيصل بن عزيز الحربي والرقيب سعد بن زيد الرمثي ممن هم أحياء بعد الاستشهاد أو ممن هم أحياء على أتم الاستعداد للاستشهاد كما ظهر يوتيوب البطل نشمي عواد العنزي لم يتعلموا الوطنية من الكتب ولا من محاضرات الجامعات والمعاهد العليا التي لا يجرؤ الكثير من أساتذتها على قول كلمة جريئة صريحة في حب الوطن، بل رضعوا الوطنية من صدور أمهاتهم، من البيت ومن الشارع ومن الميدان ومن الإحساس الإنساني الغريزي أن حرية الوطن شرط لحرية الإنسان والعكس صحيح. ولهذا فعلينا نحن اليوم أن نتعلم من تضحياتهم ونتعلم على أيديهم الوطنية التي من أبسط أبجديتها أن نكون معهم قلبا وقالبا فلا نعيش الأمان والسلام اليومي الذي يؤمنونه لنا بدمائهم دون أن نمتن لهم قولا وعملا. إن هؤلاء العسكر برتبهم البسيطة من رقباء وجندي وعريف يستحقون رواتب تضاهي رواتب أصحاب الوظائف العليا في الدولة لأنهم يمهرون خدمتهم للوطن ليس بالتوقيع اليومي في دفتر الدوام بل بمهر الدم. إنهم هم الأبطال الذين يستحقون أن تبرز صورهم في الصحف وأخبار بطولاتهم في الإعلام.
هناك بوادر بسيطة وقليلة في حقهم لكنها خطوة على الطريق الصحيح لتكريم من يموتون لنحيا ويحيا الوطن. بما يجب تعزيزه، ومن ذلك ما قرأته من إدخال بطولات الشباب الوطني لعاصفة الحزم إلى المناهج المدرسية، وإيجاد لجان متابعة تربوية خاصة بأبناء الشهداء والمقاتلين في وزارة التعليم وإعطائهم أولوية في الوظائف والالتحاق بالجامعات، بالإضافة لوضع شاشات كبيرة في المطارات وفي الأماكن العامة لصور الشهداء.
إن الحس الوطني هو الذي يجعل نجران اليوم تصمد في وجه الاستهداف العدائي للمدنيين والأطفال ومن حق هذه البطولات أن تظهر كما أن من الواجب أن يعرف المجتمع الدولي ويدين كما يفعل مع سوانا جرائم الحرب حين يستهدف الأطفال والمدنيون منا.
لا يمكن أن تكون هناك مواجهة عسكرية قائمة في الحد الجنوبي للبلاد بينما تسير وتيرة الحياة في مناطق المملكة الأخرى وعاصمتها بنفس الدعة والرخاء وكأن تلك المواجهة تجري في كوكب آخر. ولا أقل من الوقوف معهم ولو رمزيا بالقليل من ربط الأحزمة على البذخ المعتاد في مهرجانات التسوق أو سواه من المناسبات الخاصة والعامة.
وأخيرا لنعمل على رؤية وطنية تقول لا لاستمرار الحرب نحن قادرون على الحرب ولكننا قادرون بنفس القدر وأكثر على صنع السلام.