د. خيرية السقاف
مظاهر الترف في مؤسسات المجتمع المختلفة يبدو لي أول ما على هيئة مكافحة الفساد أن تضعه في جدول أعمالها..
فالحث على الاقتصاد في الإنفاق، وعدم الإسراف والهدر لمواكبة تأخر أسعار النفط، وحاجة الدعم العام إلى إيجاد بدائل بفرض رسوم عامة تأتي من جهة للضبط، ومن جهة أخرى لتغطية الدخل، ما حث على المطالبة بضرورة توعية الفرد والمجتمع نحو التوجه للجدية في التعامل مع حاجاته، وواجباته، مما يفرض تدريجياً تغيير السلوك الفردي، ومن ثم الجمعي نحو القيمة الفعلية لدخله، في مقابل الواقع الحقيقي لاستهلاكه، فالموازنة من ثم بينهما وبين ما تغير ويتغير في عموم الموازنة العامة التي تخص جميع أفراد المجتمع، وبالتالي ما لزم من متطلبات المرحلة بعد أن أصبح النفط ليس وحده مصدراً رئيساً، ولا معوِّلا أساساً للدخل الوطني، فالفردي، ما حدث معه أن ارتفعت سقف تكاليف الاستهلاك في الكهرباء، والماء، ووقود المركبات، وأسعار الشراء، وبنيت على هذا استراتيجيات جديدة ينخرط الجميع في الأخذ بأولوياتها فهما، وسلوكا، وشراكة، وتعاملاً مع الحاجات، والفصل بينها والضرورات..
ما ينقل مجتمعنا من الترف والإسراف إلى الالتزام والرشد، وإن يصعب هذا في البدء، لكنه سيكون يسيراً مع التجربة.
هي نقلة جادة، ومجدية نحو رؤية استشرافية تضع الفرد في مواجهة مع نفسه، وتمنحه فرصة تهذيب سلوكه العام مع نفسه، وفي مجتمعه مع مقدراته..
هذا التوجه أدى إلى ارتفاع نسبة الجدية بالمطالبة بمحاربة الفساد في كل أشكاله، ومن ثم تفنيد جوانبه، وقنواته..
لكن، هناك ما يستوقف في شأن الهدر في ميزانية مؤسسات المجتمع من وزارات، وجامعات، وبنوك، ومدارس، وشركات، ومراكز، وهيئات بشكل ملحوظ عند إنشاء المكاتب الخاصة بمسؤوليها، وموظفيها الرئيسيين، وعند إعداد قاعات الاجتماعات فيها، وما تنضوي عليه من البذخ في الأثاث، والفخامة في الإعداد، والغلو في أسعار أخشابها، ومنصاتها، ودواليبها، ومقاعدها، وطاولاتها، بل مساحاتها، وملحقاتها، بينما يتطلب الأمر مراقبة ميزانيات هذه البنود، فالهدر فيها كبير، وخسائر الميزانيات عليها مبالغ فيه، ناهيك عما يرصد للعلاقات العامة في المؤسسات من ميزانية يكون التخلص منها أجدى، وأكثر عملية، ونفاذاً للتوعية الشاملة، وحفظاً للمال المخصص لكل مؤسسة لتطلع بمهام ما كلفت به من واجبات، وأدوار في مساحات معتدلة ومكاتب ذات تكاليف يسيرة، ومظاهر تنم عن الوعي، لا تعكس الهدر الذي هو جانب من الفساد الكبير..
هذا الذي لا أحسب أنها ستغفل عنه هيئة مكافحة الفساد، ضمن مهامها في تتبع الفساد حيث يكون..
فمن أجل أن يستوي الوعي في مفاصل المجتمع بضرورة تغيير نمط السلوك الاستهلاكي فيه، ينبغي أن يكون البدء بمظاهر الترف الفائضة في مرافق مؤسساته العامة بجدية.