عبدالعزيز السماري
أفهم جيداً أن ترتفع تكاليف الحياة في مدينة لندن على سبيل المثال، وذلك لأسباب منها ارتفاع معدلات الخدمات والرفاهية بشكل يفوق المعدلات الطبيعية، بالإضافة إلى أن دخل الفرد فيها عال، كذلك ينطبق الحال على أغلب مدن أوروبا الغربية، فجاذبية انتقال الناس لزيارتها أو العيش فيها ترفع من تكاليف العيش في هذه البلاد.
كذلك لا يحتاج الأمر اجتهاداً إذا أدركنا أن أرخص مدينة للعيش على وجه الأرض كانت لوساكا عاصمة زامبيا أو لاجوس عاصمة نيجيريا، فمعدلات الخدمات فيها متدنية جداً، ويعاني الفرد فيها من الفقر وانخفاض الدخل وعدم الأمن.
يأتي ارتفاع تكاليف الحياة نتيجة طبيعية لأسباب وعوامل لها علاقة بالعرض والطلب، لذلك لا يمكن أن ترفع من تكاليف المعيشة في بيئة طاردة للحياة، ولكن مع ارتفاع معدلات الجاذبية في المدينة يزداد الزوار ذوو المداخيل الأعلى، وترفع تكاليف العيش فيها، وهكذا..
عند المقارنة بين تكاليف الحياة بين دبي والرياض على سبيل المثال، فستبدو صورة أخرى في الرؤية من خلال هذه الزاوية، وكلتاهما تتمتع بنفس البيئة الصحراوية والتقاليد، وربما تتفوّق الرياض باحتمال متغيّرات الطقس فيها..
لكن الصورة تختلف كثيراً في المؤشرات المنشورة؛ فتكاليف الحياة في دبي تصل إلى ضعف التكلفة عن الرياض، ومع ذلك استقبلت مدينة دبي حوالي 14 مليون زائر في عام 2015، بينما زار مدينة الرياض حوالي أربعة ملايين حسب آخر إحصائية منشورة في عام 2014 .
مع أهمية الإشارة إلى اختلاف نوعية الزوار، فالعمالة المستوردة تشكّل نسبة عالية من القادمين إلى الرياض، ويفضّل العمال الأجانب ذوو الأجور المتدنية العمل في السعودية، وذلك لانخفاض تكاليف الحياة فيها.
ينطبق ذلك على أغلب القرى والمدن السعودية، فأساليب المعيشة فيها تتصف بالصرامة والجفاف، وتعاني عادة من الهجران في الإجازات، والسبب افتقارها لأوجه الحياة المدنية، ولثقافة الخدمات، كما تسيطر عمالة متدنية على أسواقها.
تشير دراسة أجراها باحث بجامعة الملك سعود، وحصل بموجبها على الماجستير، إلى أن الذكور أكثر عرضة للاكتئاب من الإناث، وأن من يعيش داخل مدينة الرياض أكثر عرضة له ممن يسكن خارجها، والسبب حالة الكآبة التي تهيمن على أجوائها.
بوضوح نحن نعاني من أزمة في تقديم الخدمات التي ترفع من نوعية المعيشة في المدينة، وقد لا نحتاج إلى أدلة، فالتجول في شوارع المدينة وضواحيها يؤدي إلى القلق والشعور بالإحباط، ومن أراد غير ذلك فعليه أن يدفع تكاليف عالية للسفر خارجها كلما أحتاج إلى ذلك.
لهذه الأسباب سيؤدي رفع تكاليف الحياة فيها بدون مراعاة إلى جانب العرض والطلب إلى نتائج عكسية، ولعل الحل أن نتجاوز حالة الرهاب التي نعيش فيها من التغيير، فالعالم يتغيّر من حولنا، وما زلنا نقدّم قدماً، ونؤخّر أخرى في اتجاه معاكس.