فضل بن سعد البوعينين
لم تكن جريمة «السطو المسلح» على سيارة نقل أموال في بلدة «النابية» وتعرض ثلاثة من موظفي الشركة لإطلاق نار والاستيلاء على الأموال التي بحوزتهم أثناء قيامهم بتغذية جهاز الصرف الأولى على مستوى المملكة؛ فقد سبقتها عمليات سطو تمكنت أجهزة الأمن من كشف تفاصيلها والقبض على الجناه المشاركين فيها.
حادثة «سطو النابية» تفتح باب التساؤلات حول القدرات الأمنية التي تتمتع بها شركات نقل الأموال المحلية ومدى إلتزامها بالمعايير الصارمة التي يمكن أن تجنبها؛ والعاملين فيها؛ مخاطر السطو والإستيلاء على أموال المصارف.
تقتضي أنظمة وزارة الداخلية عدم السماح لسيارات نقل الأموال بالتحرك مالم ترافقها دورية أمنية قادرة على التعامل مع أية مخاطر قد تعترضها خلال رحلة تغذية الصرافات الآلية. وهذا مالا تطبقه بعض شركات نقل الأموال التي تتهاون في الإلتزام بمعايير الأمن والسلامة.
تتحمل البنوك أيضا جزءا من مسؤولية ذلك التهاون حين السماح لشركات نقل الأموال بالتحرك مع غياب رجال الأمن وسيارة الحماية الرسمية. إجراءات نقل الأموال من المركبة إلى داخل البنك أو الصراف الآلي؛ وإلتزام السائق بالبقاء خلف المقود طوال مدة الرحلة لا تخلو أيضا من كثير من الخروقات الأمنية. أما خطة سير المركبات فلا وجود لها مع فوضوية النقل؛ ومزاجية قائد المركبة ومرافقيه. الالتزام بمعايير الأمن خلال سير رحلة نقل الأموال غير موجودة؛ وكذلك الحماية الداخلية للمركبة والأموال المنقولة التي تعتمد على معايير خاصة؛ قد تكون مكتوبة لديهم؛ إلا أنها غير مطبقة. معلومات خط السير وحجم الأموال في السيارة الناقلة من المعلومات السرية التي يفترض ألا تتسرب إلى الخارج؛ وأحسب أن السطو على مركبة تحتوي 12 مليون ريال لا يمكن أن يعزى أمرها إلى الصدف!.
وبالرغم من وجود سقف أعلى لنقل الأموال إلى الصرافات الآلية نجد أن البنوك وشركات النقل تتجاوز ذلك السقف دون إكتراث؛ وهو ما سمح بوجود 12 مليون ريال في سيارة نقل صغيرة لا ترافقها دورية أمن.
كشفت بعض الصور المتداولة من موقع الحدث عن نوعية المركبة المستخدمة في نقل الأموال؛ وهي سيارة (فان) صغيرة على ما يبدو؛ تم تفريغها من الداخل وتصفيحها بطريقة بدائية؛ لضمان إعتمادها من قبل الجهات الرقابية. فارق كبير بين المركبات المصفحة والمخصصة لنقل الأموال ومركبات النقل التقليدية وإن تم تصفيحها. مواصفات سيارات نقل الأموال لا ترتبط بتصفيح خزنة الأموال؛ بل تتجاوزها إلى حجم المركبة الذي يجعلها مقاومة للصدمات؛ وسرعة محركها وقوة تحملة؛ وهيكلها وزجاجها المصفح الذي يجعل من اختراقها أمرا عسيرا؛ إضافة إلى كاميرات المراقبة؛ وأجهزة التتبع الإلكترونية والإنذار السريع.
عدم الإلتزام بالمتطلبات الخاصة بنوعية المركبات المستخدمة؛ والمعايير الأمنية؛ وأنظمة وزارة الداخلية سهل عمليات السطو والجرأة على مركبات شركات نقل الأموال لضعف تحصينها وضعف المعايير الأمنية المتخذة من قبل موظفيها. عدم تطبيق معايير الأمن والسلامة يفقد البنوك أحقية التأمين بسبب مخالفتها معايير نقل الأموال المتفق عليها في بوليصة التأمين. الخسائر البشرية؛ والتجاوزات الأمنية التي تحفز المجرمين على تنفيذ عمليات السطو أكثر فداحة ولا شك.
يبدو أن منظومة شركات نقل الأموال والحراسات الأمنية المدنية لا تتصف بالكفاءة وهي في أمس الحاجة إلى إعادة هيكلة لضمان تحقيقها الأهداف الأمنية التي من أجلها أنشئت. كما أن غالبية العاملين فيها لا يمتلكون الكفاءة الأمنية؛ والإلتزام بالأنظمة والقوانين ومعايير السلامة. قد تتفاوت الشركات فيما بينها؛ فيشذ بعضها عن القاعدة؛ إلا أن الخدمات الأمنية المقدمة من القطاع تبقى غير متوافقة مع المعايير والمتطلبات الرسمية. أحسب أن ضعف إختيار موظفي الشركات الأمنية؛ وتدني مستوى الأجور؛ وإنعدام التدريب الإحترافي؛ وعدم وجود الأمن الوظيفي والحوافز المالية والتأمينية، إضافة إلى نوعية الأجهزة والمركبات المستخدمة يتسبب في ضعف خدمات الشركات الأمنية بشكل عام، وهو ما يستوجب تدخل الجهات الأمنية لتصحيح وضعها والرفع من كفاءتها لتعزيز أمن وسلامة المجتمع و المستفيدين من خدماتها وفي مقدمها القطاع المصرفي.
قد يكون القطاع المصرفي في حاجة إلى إنشاء شركة أمنية متخصصة لإدارة عملياته التشغيلية. شركة مساهمة كبرى يمكن أن تتعامل مع الخدمات الأمنية بطريقة إحترافية لا تقل عن قدرات الأجهزة الأمنية الرسمية؛ كما هو معمول به في دول الغرب. الإعتماد على الشركات الأمنية الصغيرة سيفاقم من المشكلات الأمنية ولن يسهم في تطوير الخدمات التي باتت تعتمد بشكل كبير على التقنيات الحديثة المتطورة. زيادة حاجة القطاع المالي والقطاعات الاقتصادية الأخرى للخدمات الأمنية الخاصة يدعم فكرة إنشاء شركات مساهمة كبرى متخصصة في تقديم خدمات نقل الأموال؛ والحراسات المدنية؛ والحماية الإلكترونية وغيرها من أنواع الحماية المتنوعة. مع زيادة حجم الجريمة عالميا؛ واحترافيتها؛ وإنعكاسها على الداخل؛ يصبح أمر إنشاء الشركات الأمنية المتخصصة من الضروريات. قد يكون دمج الشركات الأمنية الحالية في شركة واحدة وتطوير خدماتها من الحلول المطروحة. التعايش مع وضع شركات نقل الأموال والحراسات المدنية الحالية سيتسبب بكثير من المشكلات الأمنية مستقبلا؛ ما يستوجب تدخل الجهات المعنية لمعالجة المشكلة وفق إستراتيجية أمنية متوافقة مع الأمن العام؛ وخدمات إحترافية متوافقة مع آخر ما توصلت له الشركات الأمنية عالميا.