د. أحمد الفراج
وجدت لزاما علي أن أعود للكتابة مرة أخرى عن الاقتصاديين الجدد الذين يستغلون إحباط المواطن ليكسبوا شعبية زائفة، ويكون سبيلهم لذلك هو البحث عن كل ما هو محبط، ونشر الشائعات التي تشير إلى الحالة الاقتصادية المتردية للبلد، ولا مانع من أن يكتبوا عن قرب إفلاس الشركات، وتسريح موظفيها، فالمسلم به أن الناس تتفاعل مع «السوادويين»، فالكاتب والمغرد الوطني يسمى في بلادنا «مطبل»!، حتى ولو كتب عن إنجازات وطنية حقيقية، وبالتالي يتحاشى الكثير من الكتاب والمغردين الحديث عن أي منجز وطني، ورغم كل ذلك فقد تفاءلت، بعد ردود الفعل الكبيرة «جدا» على مقالي السابق عن «اقتصاديي أبو ريالين» سواء عن طريق تويتر، أو البريد، أو التواصل الشخصي، وذلك منذ أن احترفت الكتابة، ولعلنا نؤمل بصحوة شعبية تقضي على ظاهرة «المستشرفين» والذين يسلكون أقصر الطرق، وأكثرها أنانية، للبحث عن شعبية لا يمكن أن يحصلوا عليها بالوسائل الصحيحة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، سواء كتب هؤلاء في الشأن الاقتصادي، أو الاجتماعي، أوالديني!.
قبل زمن غير قصير، وأثناء طفرة سوق الأسهم، وعندما كان المؤشر يناهز (4000 نقطة)، تنبأ أحد أشهر تجار سوق الأسهم، حينها، بارتفاع المؤشر إلى 12000 نقطة، فتصدى له أحد المحللين الاقتصاديين،وسخرمنه، ومن جهله، وبعد فترة ليست طويلة، صدقت تنبؤات التاجر، وفشلت قراءة الخبير الاقتصادي، وتجاوز مؤشر سوق الأسهم 12000نقطة بكثير، وحينها كتبت مقالا عن ذلك، وأشرت إلى فشل من يتولى التحليل الاقتصادي عندنا، وكيف أن تحليلاتهم تكون مبنية على انطباعات شخصية، ومواقف أكثر منها تحليلا اقتصاديا علميا موثوقا، كما يحصل في معظم بلاد العالم المتقدمة، وكانت ردود الفعل على ذلك المقال كبيرة، أيضا، ومع ذلك لا زال صاحبنا يواصل تحليله الاقتصادي، وقد تصيب وقد تخيب، ولكن لا بأس، فالمهم هي الشعبية والشهرة لدى المواطن المحبط، وعلى خطى هذا المحلل سارت فئام من المحللين الذين أسميتهم « الاقتصاديين الجدد» ، مستغلين أزمة السكن، وانخفاض أسعار النفط، وتأزم الأوضاع الاقتصادية العالمية، وذلك لبث الإحباط، واستجداء الشعبية، ولوكانوا مؤهلين لهان الأمر. هذا، ولكنهم خرجوا من اللامكان، وبلا تاريخ يذكر في الشأن الاقتصادي، ثم طاب لهم تفاعل المواطنين المحبطين مع أطروحاتهم، فأخذوا يبالغون في نسج قصص الإحباط، وقرب الانهيار الاقتصادي، وهنا لي تساؤلات ملحة لا بد أن تطرح!.
إذا كانت جحافل الاقتصاديين الجدد على مستوى جيد من التأهيل، فلماذا تخلت عنهم المؤسسات الاقتصادية الضخمة التي كانوا يعملون بها ؟!، وهل كانت تلك المؤسسات لا تفقه، مثلا وهي التي تنفق عشرات الملايين على استقطاب أفضل المستشارين الاقتصاديين ؟!، وهل يمكن أن تكون تلك المؤسسات المالية الضخمة متواطئة ضد نفسها، وبالتالي لم تستقطب فطاحلة « الاقتصاد الجدد «؟! ثم إننا نعرف أن هناك مؤسسات مالية خارج الوطن تبحث عن أفضل الكفاءات لاستقطابها، فلماذا لم يلفت الاقتصاديون الجدد نظرها؟!، وأختم بالقول إن مقالي السابق، وردود الفعل الكبيرة عليه، أوجعت الاقتصاديين الجدد، لأن عدوهم الذي قد يؤثر في شعبيتهم، هو من يحذر منهم، ومن إرجافهم، وبالتالي فقد أخذوا يكيلون التهم لصاحبكم، ويدافعون عن أنفسهم، وهذا أمر مفهوم، ولكن ما ليس مفهوما لي هو ربطهم بين مقالي «التحذيري» منهم، وبين «الليبرالية»، وهنا لا بد من الاستعانة بمفكر، بحجم المفكر العظيم، نعوم تشومسكي، ليفك رموز هذا اللغز، ولعله يفعل، فهو أحد أساتذتي، ولن يقصر في خدمتنا جميعا!.