د. خيرية السقاف
هناك هوَّة عميقة بين صفة المسلم وبين سلوكه..
ألا تلحظون بأنّ غالبية أفراد الجيل من الأحياء بيننا, ومن المخضرمين السابقين اللاحقين بهم, والمتأخرين مراهقين وناشئة معهم، قد أبعدهم التيار عن السلوك التعبُّدي الطبيعي للمسلم المعتدل, - وليس غير - في نهجهم اليومي..؟
إنهم ظاهرة,
ولو عدنا قليلاً للوراء فسوف نجد أنّ هذه الظاهرة تأسست فترة إهمال التنشئة, وانشغال الوالدين بطفرة التسعينات, عند اللهاث وراء الإثراء, صاحبتها موجة التخلص من الكثير من مظاهر التعبُّد تضامنا مع ما كان يوسم به المتديِّن من «التقليدية», و»الرجعية»,والانغلاق», «والدَّقة القديمة» ما أدى إلى ظهور جيل يتلو جيل بيننا ليس على عادات, ومفاهيم, وسلوك المسلم حقاً..
وهو أبعد ما يكون فعلاً لا قولاً ذا الصفات الناطقة المعبرة عن المسلم المعتدل المتشبع بدينه , العارف بأنه مهما طالت به قدماه فوق الأرض, وخطت به فإنه لا محالة سينتهي به الأمر إلى المقبرة فالحساب ومآلاته..!
فبناء القيم, والمفاهيم ,والتدريب يجعلها سلوكاً ترسخه القناعة بها واليقين الصادق بأهمية تمثلها, وممارستها كالصلاة في أوقاتها باطمئنان على سبيل المثال, والحرص على الأذكار والنوافل, ومزيدَ عمل يقرب إلى الله, واللجوء إليه تعالى عند الحاجة والنوازل, واحترام الكبير وتوقيره, واتباع عصبة الأخلاق, والظهور بمسلك المتقين, وتجنُّب الفواحش ودرء الشر بالخيرية التي تعمر نفس المسلم الحق, وعدم تقليد أراذل النماذج في العالم في السلوك والمظهر والملبس , والتمييز بين ما يقره الشرع, وما يقف بحده الضابط دونه, ومعرفة الواجبات التي على المسلم حق المعرفة, والقيام بها بما في ذلك عدم الخوض في الناس, وتجنُّب النميمة, وإشاعة البهتان, وفي النهاية كما يلجأ المسلم لطلب الغيث عند الجفاف , وامتناع المطر, واليقين بأنّ الحاجة للرجوع إلى الله في مواقف الكرب تكون بالصلاة , والدعاء, وبالمثل اللجوء إلى الله ليرفع عن عامة المسلمين ما يحل بهم من الكرب, والبلاء, فهل هم على هذه الجادة..؟!
إنهم - إلاّ القلة - مستغرقون مع الغناء, والمظاهر التافهة, والخوض في الأفكار العقيمة, وترك الصلاة, والجهل بالقرآن, فإن صلوا فسراعاً, يقتطفون أصغر السور, يخطئون في قراءتها على وجه النحو الصحيح, إن سألتهم فلا يعرفون الصحابة, ويصدقون كل من لاك بقول فيهم, وقذف معلومة مضللة, قلوبهم شتى, وتمسكهم بكل غربي أتت به ريح غريبة..
يومهم يمضي في اتباع الهش, وليلهم ينطوي دون إشباع بتقرب إلى الله أو لجوء إلى ألطافه ورحمته..
فمن ذا يخضُّ ماعون التربية, يفرد أضابير التعليم, يغسل سقوف المحاضن, يقول للقوم: الله القريب الرقيب, الله الحسيب, منه المبتدأ وإليه المنتهى, ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه..
تلك الرسالة في أسها, وما الحياة الدنيا للمسلم إلا ليعمرها بالعمل النافع, والتكافل الشافع, والسعي إليه كالعابر بشجرة سيغادرها ويمضي.