أحمد بن عبدالرحمن الجبير
في وقت سابق كانت أسعار النفط تغطي على نسبة من الأخطاء، وهدر الأموال والفساد في تعثر المشروعات، حيث يأخذ المقاولون نصيبهم مقدما، ويتركون لمقاولي الباطن تنفيذ المشروعات، وكل مرحلة لها مواصفاتها، إذ ينعكس ذلك على جودة التنفيذ، وأحيانا تعثر المقاول عن إتمام العمل في تاريخه المحدد، ناهيك عن التساهل، وغياب العقوبات الإلزامية لبعض المقاولين، وإذا ما ظهر تعثر ناتج عن سوء إدارة، يطلب من المقاول صيانة ما تلف منه، وكل ذلك يشجع على الفساد وسوء الإدارة وغيره.
اليوم تبدو الأمور مختلفة، والخروج من السوق ليس سببه ضعف إمكانية العمل، والتشغيل أو العطاءات الحكومية، وإنما اليوم هناك رقابة وانضباط، ولم تعد هناك إمكانية لأن يضع المقاول نصيبه الربحي قبل تنفيذ المشروع، وأن الشركات التي بدأت في الخروج من السوق هي الشركات التي بالغت في الأسعار وتقييم المشروعات، التي كانت تلقي بمشروعاتها إلى مقاولي الباطن، وكانت تتصرف دون إدارة أو ترشيد.
الشركات التي تختلف في طريقة إدارتها للأموال، ولتعاملها مع المشروعات، وإنفاذها في تاريخها شركات لم تتأثر، بل لم تسرح أيا من موظفيها، وظلت علاقة الثقة بينها والحكومة وبينها والبنوك قائمة، فمن حق مؤسسات الدولة أن تتحرى الشركات ذات السمعة الجيدة، والجودة الممتازة، ومن حق البنوك كذلك تحري صدقية ومهنية الشركات، وبخاصة تلك التي لها سجل أبيض في القروض وسدادها.
ما حدث مع بعض الشركات أنها حاولت المقاومة، واستعادة الأوضاع السابقة، وفرض حضور استثنائي وخصوصي لها، غير أنها لم تقابل بذلك من صانع القرار، فهي شركات نشأت وترعرعت في كنف الدولة، واحتضانها لها لسنوات طويلة، وليس مقبولا أن تلجأ هذه الشركات لابتزاز الحكومة، في توقيت تراجعت فيه أسعار النفط، وأصبح مطلوبا المزيد من الرقابة والمحاسبة والشفافية مع الجميع دون استثناءات.
وهذا قاد إلى إعفاء بعض الوزراء وكبار المديرين، في إطار الرؤية السعودية 2030م، وسياسة التحول الاقتصادي الجديدة2020م القائمة على الشفافية، ومحاربة الفساد، وتحمل المسؤولية ويبدو لنا أن مجلس الاقتصاد والتنمية الذي يقوده سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كان له الدور الأبرز في هذه التوجهات، وكانت سببا كافيا في محاربة الفساد، وتوقف هذه الشركات.
النهج الجديد قد يكون صعبا على بعض منشآت قطاع المقاولات بالتحديد، لكن علينا أن نعترف بأن بعض الشركات والمؤسسات في هذا القطاع كانت ولادتهم غير طبيعية، كما أنهم تعاملوا مع القطاع بأساليب تقليدية، فقد اعتادوا على الحصول على جزء من مخصصات المشروعات واستخدامها لمشروعات أخرى، بسبب ضعف الإجراءات العقابية والرقابية، مما جعلهم يعملون بطرق ليست حصيفة، يدفعون أثمانها اليوم، بتسريح موظفيهم والانسحاب من السوق.
المشكلة ليست في السوق بقدر ما هي مشكلة داخلية لديهم، حيث إنهم لم يستوعبوا التغييرات الجديد، فالدعاية التي تقال حول تأخر الدولة في تسديد فواتير هذا القطاع، ليست دقيقة، بل إن سبب هذه الإشاعات أن حيتان بعض من قطاع المقاولات ومحتكريه، كانوا هم المحركون لمقاولات الباطن، التي في غالبها من العمالة الأجنبية، غير أن النهج الجديد وضع ضوابط جديدة، أصبحت لا تليق بهم، أو لا تحقق أهدافهم ورغباتهم الشخصية.
لذا يفترض مراقبة المؤسسات والمشروعات والعقود لحماية المال العام، ويجب اختيار الكفاءات الوطنية المؤهلة لإدارتها، وأن تتم مراقبة أعمالهم وما يقدمونه من تقارير عن مؤسساتهم لنضمن إخلاص كل مسئول، وتطوير كل مشروع، ويجب على المسئولين أن يدركوا أن هذه المشروعات أمانة في أعناقهم، وأن يكونوا على قدر من الأمانة حتى لا يكون هناك تلاعب بأموال الوطن من قبل ضعاف النفوس، والأمل كبير في المشرفين على الرؤية السعودية 2030م لتطوير بلدنا ومجتمعنا على النحو الذي تراه قيادتنا الحكيمة والرشيدة.