(خلق الله الباريسيين لأن الأجانب لن يفهموا الفرنسيين)
- الكسندر دوماس
لماذا يسأل كاتب أهل مدينة عن عاداتهم الغريبة؟
ولماذا يقف متأملاً تفاصيل مبانيها ونوافذها الواسعة؟
وهل تستحق هذه المدينة كل ذلك العناء؟
ومن هو الكاتب الذي لاحق هذه المدينة في ملامح اهلها، وطرقاتها ومقاهيها؟
بعد قراءتي للكتاب عرفت أجوبة لتلك كل الأسئلة، فالمدينة هي باريس الفاتنة، ومن لاحقها ليعرفها أكثر ويعرفنا عليها، هو الكاتب والصحفي والروائي البريطاني ستيفن كلارك، ووثق ملاحقته لها في كتابه (كشفت باريس: الحياة السرية لمدينة)* والصادر عام 2011 م، اقتحم كلارك أعماق باريس عبر أهلها، رغم أنها كما وصفها في مقدمة كتابه (تفعل ما بوسعها لتبقى حياتها الخاصة خاصة جداً).. عندما بدأت قراءة كتاب (كشفت باريس)، الذي صافحني به ستيفن كلارك في مكتبة فناك بباريس، أدركت أنني أمام كتاب يغوص في تفاصيل باريس والباريسيون وهويتهم الخاصة بأسلوب سلس وشيق.
والكتاب كما ذكر مؤلفه ستيفن كلارك الذي يعيش في باريس، إنه «دراسة لباريس، ولكن ليس دراسة منطقة، منطقة أو متحفا متحف»، ولكنها دراسة مختلفة، فالمؤلف يدرس باريس المدينة والناس ولكن عـبر افكارها المنبثقة من سمات وملامح أهلها وتاريخها ومبانيها ومعالمها وفنونها وحياتها الاجتماعية والثقافية. ويتضمن الكتاب اثني عشر فصلاً، حملت العناوين التالية: الباريسيون – الأرصفة – الماء – الانفاق – التاريخ – الرومانسية -الجنس – الطعام – الموضة – السينما – الفن – المساكن .
كما أن كل فصل قُسم الى عناوين فرعية ومنها: الفنانون الجنس البشري المصان - ملوك وملكات عالم الموضة – الرومانسية قريبة من البيت – كابوس باريسي . كما يحتوي الكتاب العديد من الصور الفوتوغرافية باللونين الأسود والأبيض.
وقد وصف لنا ستيفن كلارك في الفصل الأول من الكتاب أنماط الباريسيين، فقد ذكر على سبيل المثال أن سكان الدائرة السادسة يشبهون باريسي الدائرة الخامسة ولكنهم أكثر ولعًا بالتفاخر، كما أن الدائرة السادسة أيضا تمثل مسقط رأس دور النشر المتميزة . أما الباريسيون الأنيقون فهم يسكنون الدائرة السابعة. أما الدائرة الثامنة فمعظم من يعيش فيها السيدات المسنات من طبقة الأثرياء يرتدين معاطف الفراء، ويتأبطن أذرع أزواجهن السابقين، وتمثل الدائرة الثالثة عشرة موطنًا لأكبر حي صيني للصينين في باريس.
ويعبر ستيفن كلارك بنا الى تاريخ الارصفة والطرقات الباريسية ويصف علاقة الماء والنوافير الجمالية بباريس، وميلاد انجاز باريس الحضاري قطار الانفاق والذي تمثل فيه باريس الصدارة في اوروبا والعالم، كما مر بذائقة الباريسيين في الطعام والأزياء، ودعم باريس للفنانين التشكيليين العالميين، فباريس هي الوطن الروحي للانطباعية. أيضا يعرض لنا كلارك احداث باريس التاريخية والمعاصرة ومنها على سبيل المثال الطوفان المدمر الذي ضرب باريس عام 1910 م .
كما كان للحب فصل كامل في الكتاب وهو الفصل السادس، فعشاق العالم لا بد أن يمروا بباريس، ويحرص الازواج الرومانسيون على قضاء شهر العسل فيها، مبينا كلارك اسبابا لذلك (ضفة نهرها والغروب ومقاهيها الدافئة وأناقتها الغير متكلفة). حاول الكاتب ستيفن كلارك في كتابه أن يغوص في ملامح باريس وأهلها، فعرفنا على أكثر الأماكن رومانسية والذي يهمس (أحبك)، وحدد لنا المكان الذي نستطيع أن نشاهد فيه فنًا رائعًا بعيدًا عن الازدحام ,كما أوجز لنا الطريقة التي نستطيع أن نجرب من خلالها الحياة الباريسية دون أن نزعج الباريسيين، وكشف لنا أسرار النوافذ الواسعة في الأدوار العليا للمباني. كشف لنا الكاتب ستيفن كلارك عبر لقاءاته المتعددة مع الباريسيين «كل ما يعرفه الباريسيون عن مدينتهم، ولكنهم لا يريدون ان يخبروا به أحدا». وبعد هل كشف ستيفن كلارك باريس؟، أم أن هناك ألف حياة سرية لباريس الجميلة و المراوغة تنتظر كاتبًا آخر ليكشفها.
عنوان الكتاب:
Paris Revealed: The Secret Life of A City
المؤلف:
Stephen Clarke
www.turkeyahalamry.com
- تركية العمري