ما الذي يميز طرح طه عبدالرحمن الفلسفي ؟! يعتمد طه عبدالرحمن في مشروعه حول تجديد الفلسفة أو ما سماه بـ (فقه الفلسفة) على أمرين : الأول هو أنه يعتمد على اللغة من خلال التأثيل الذي تجده في مصطلحاته الكثيرة جدًا؛ و التي تنمُّ عن تراهن بين الفلسفة واللغة ؛ كيف لا ؟! و هو الذي كتب بحثه الدكتوراة في جامعة السربون بعنوان (الفلسفة و اللغة) ؛ وأسفُنا أنه لم يُترجم حتى الآن منذ أكثر من ثلاثين عامًا؛ و قد أخبرني الصديق منتصر حماده بأن طه عبدالرحمن بصدد ترجمته مع تصريحه بتجاوز الكثير من أفكار الكتاب. وأما الميّزة الأخرى هي محاولته تقعيد التفلسف؛ و ينبع هذا من محاولة تقريب الفلسفة إلى المثقفين و تحويلها إلى علم يتعلمه المثقف حتى يتأهل في مدارج التفلسف. وهنا يظهر لنا الإشكال الذي طُرِح على فكر طه عبدالرحمن وهو أنه بهذا الفقه الفلسفي سيؤطر الفلسفة ويدخلها في إشكالات المنطق؛ مع أني قد سمعت له في إحدى محاضراته التحذير من الخضوع للمنطق كليةً حتى لا يحبس الإبداع الفلسفي لدى المتفلسف. و لعل الأمر الأكثر إثارة في فكر وفلسلفة طه عبدالرحمن هو نبوع فلسفته من التدين ؛ فهو يخضع خضوعًا ظاهرًا للتصوف حتى إنه كتب كتابه (العمل الديني وتجديد العقل) و هدفه الأكبر في هذا الكتاب أن يطور الفكر الصوفي و ينأى به عن خزعبلات العبّاد؛ وقد سمعت منه كيف ينظر إلى الفلسفة؛ إذ إنه ينطلق من الخاص (الدين) إلى العام (الكون) وبهذا يخالف الفلاسفة الذين يبدؤون بالعام ثم إلى الخاص، وهذا المنحى هو الذي جعل الاحتفاء بطه عبد الرحمن داخل أوساط المتدينين أكثر من غيرهم؛ بل إنه هو المنحى الذي كثّر خصومه من المشتغلين بالفلسفة في العالم العربي. و من يتابع نتاج طه عبد الرحمن الغزير و خصوصًا في سنيّه الأخيرة التي تكاد تواكب كتابًا كل عام سيعلم أن طه عبدالرحمن يهتم بالتراث العربي والإسلامي وينطلق منه في تفلسفه وتقعيده الفلسفي؛ و هذا لا يعني خضوعه له بقدر ما يعني محاولة نقضه وإعادة تأسيسه، ولعله يكفي ما طرحه في نقض مقاصد الشريعة التي بناها الشاطبي على الكليات الخمس فقط، و نقد الشاطبي في جعل الأخلاق من التحسينيات و ليست من الضروريات؛ و لهذا فإنه أعاد ترتيب مقاصد الشريعة ورفع الأخلاق إلى الضروريات و جعلها من أساسيات التشريع. و مما يثير الانتباه في تجديده ما أثاره حول التفريق بين مصطلحي (شرعًا) و (عقلًا) في أبواب الفقه؛ إإنه يرفض هذا التفريق ويواكب بين الشريعة و العقل و يعتبرهما شيئًا واحدًا. و لم أرد في هذا المقال أن أثير جل أفكار وفلسفة طه عبدالرحمن بقدر ما أردت أن أفكر في مميزاته الفلسفية؛ وإن كنت أبحث منذ زمن عن النقودات الموجهة إلى فلسفته؛ فقد أخذ من الإطراء في الساحة الفكرية العربية الشيء الكثير؛ و بالخصوص بعد خلوها من العديد من المفكرين الكبار كأركون و الجابري.
- صالح بن سالم
_ssaleh_ @