.. ونحن الرجال والنساء أغبياء لسوء الحظ لأننا لا نستجمع الشجاعة الضرورية للتقدم الـحقيقي إلا إذا حفزتنا الألآم التي تبدو فائقة لكل وصف.
ادوارد كار
يتفرد الإنسان عن باقي الكائنات في محاولته الدائمة بامتلاك القيمة والقيمة كما عرفها الفيلسوف «الكسندر كوجيف» هي الفائض من الرغبات عن الحاجة حيث الحاجة مطلب بولوجي تتساوى فيه جميع الكائنات الحية غير أن الرغبة أو الرغبات شيء مختلف وتعرف أنها الفائض من هذه الحاجات غير المشبعة وهي المولدة للصراع الذي يمضي بالإنسان نحو الاعتراف به ككينونة أو كهوية» هذه الكينونة تحدث في اللحظة التي يقول فيها الإنسان: «أنا»’ مؤكدا والقول «لكوجيف» أن تاريخ الإنسان هو تاريخ الرغبات المرغوبة.
ومن خلال ذلك فقد طرح كوجيف معنى مغايرا لنهاية التأريخ الذي سبق وأن طرحه
«فوكوياما» معلنا أن نهاية الإنسان تأتي بانتهاء الرغبات معيدا التفسير الهجيلي للتأريخ كمسار دائري وليس تصاعديا حسب رأي فوكوياما الاقتصادي.
ما يهمنا من كل ما سبق ولضيق المساحة هو القول إن القيمة الإنسانية ليست بما نمتلك ولكن بما نحققه للذات إلا إذا كان ما نمتلكه يقع ضمن الدوافع لإعلاء القيمة وتكريس انتصار ما، انتصار متضادات متعارضه «رغبات» تهب الذات القيمة وتدفع بالحياة نحو المضي مكرسة جدلية العبد والسيد «الهيجلية».
والسيد والعبد هنا ليس بمعناه المعجمي ولكن بمعناه الجدلي الذي يؤجج جدلية الصراع في الحياة لتستمر وتهب الإنسان القيمة التي تحدثنا عنها وهي ذات القيمة التي تحدث عنها
«ماسلو» في هرمه الشهير «هرم ماسلو» ووضعها في قمة هرمه وأطلق عليها الاحتياجات العليا, وقال إنها هي التي تمنح الفرد التقدير والرضى الذاتي وتكرس قيم الحب والخير والجمال وهي في المجمل رغبات لا تتحقق إلا بعد إشباع الحاجات الأساسية التي يحصل عليها الشخص كمكافاة بعد تجاوزه هذه الأساسيات.
وقد لاحظ ماسلو أن فردا واحدا من كل مئة فرد يحصل على هذه القيمة، قيمة بلوغ الأهداف العليا وهذا يذكرنا بمقولة بودلير الشهيرة: إن الطبيعة لا تنجب العظماء إلا مرغمة.
هذا الذي قلته أعلاه كنت أحاول من خلاله تشخيص حالة مجتمعنا المفتون بحياة الآخرين ونظمهم السياسية والفكرية وانحيازه المباشر إلى أسماء وأشخاص لا تمثل لهم ولا لمجتمعنا أي قيمة عدا البحث عن القيمة التي يفتقدها البعض وهي تمثل قمة الخواء الذي وصل إليه البعض بحيث لم يعد لديه أي منجز عدا الاحتفاء بالآخر البعيد, هذا البعيد الذي لا يعرف عن افتتاننا به أي شيء.
والسؤال هنا هو كيف إعادة الناس نحو الاحتفاء بالذات الشخصية «الأنا» وخلق القلق داخل النفس هذا القلق المحرك والباعث للتفرد؟
وهنا وعلى مسؤولي الفردية أقول إننا أفرطنا كثيرا وعلى مدى سنوات طويلة في تكريس مفهوم الجماعة على حساب الفرد وتطويع قدراته من أجل الكل حتى لم يعد له أي حضور فاعل إلا من خلال هذه الجماعة وبالتالي تلاشى التميز الفردي المبدع الذي يهب القيمة والتفرد.
فهل حان وقت العودة لإعلاء قيم الفرد ومنحه كامل الحق في أن يكون هو؟
أم نبقيه ذائبا في المجموع العام وبالتالي الوقوع في فخ الافتتان بالآخر البعيد؟
قد أعود لهذا الموضع.
- عمرو العامري