فيصل أكرم
لم أعنون مقالتي هذه باسم الديوان الذي أعنيه بها لأن العنوان لم يعجبني، والديوان عندي منذ صدوره في معرض بيروت للكتاب قبل ثمانية شهور، ولكن.. لأن الشاعر لامع الحرّ صديقٌ عزيز، ولأنني لستُ ناقداً بالأساس ولا أحبّ أن أكون من الناقدين، فقد رأيت أن أتجنب الكتابة عن هذا الديوان لأن عنوانه لم يعجبني، مع أن الشعر فيه من النوع الحقيقيّ الذي أحب؛ غير أنني حين التقيتُ لامع الحر في زيارتي الأخيرة لبيروت وأخبرته - بصراحة لم أعتد على غيرها - أن عنوان ديوانه لم يعجبني، أثلج صدري بجوابه: معك حق!
عنوان الديوان (وما أرسلناك إلا وردة للعاشقين) وسبب عدم إعجابي به لا أظنه يحتاج لشرح، أكثر من أن التناص مع آية قرآنية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) لا يروق لي أبداً، فنحن نكتب شعراً، وحين نستهدف التناص مع عبارات أخرى فمن الأجدى أن تكون صادرة من بشر مثلنا، شعراء كانوا أو غير شعراء، ولكن التناص مع الكلام المنزل من عند الله (تعالى) لن يأخذنا إلى مكان يجاري القداسة التي نعرف؛ أو هكذا أرى.
أدخل الآن إلى شيء من قصائد هذا الديوان الحزين؛ فراق:
حياتي ها هنا ليست تُطاقُ
ونزفُ الحُبِّ يهدرُ
في لهيبِ البُعدِ
مثلكَ يا عراقُ
هنا ضيّعتُ أيامي
وضيّعتُ الهوى الحاني
فما أمسى لأشعاري مذاقُ
تفرّقنا على وعد اللقاء غداً
أيجمعنا
إذا متنا الفراقُ..؟
لامع الحرّ شاعرٌ كبير، وله تجربة كبيرة مع الحياة، لعل أشهرها اعتقاله في قبضة الجيش الإسرائيلي فترة احتلال الجنوب اللبناني، وكتب عن ذلك كتابه الشهير (مهاجر إلى أنصار) كما كتب عدداً من القصائد الملحمية عن تلك التجربة. غير أن تجربته (الحزينة) التي يعيشها منذ سنوات تتمثل في وفاة زوجته الإعلامية القديرة إلهام أبو مراد (رحمة الله عليها) فقد كان زواجهما من النوع الذي لا يتكرر كثيراً في زماننا، وكذلك أصبح فراق الشاعر لرفيقة عمره حالة من الفقدان والاستحضار والتعايش لا يخرج ولا يريد الخروج من دوائرها أبداً، وذلك لعمري هو الوفاء الذي يُعرف به الشاعرُ الإنسان:
أفرُّ منها موغلاً
في اللا زمانْ
لكنني أحسُّ أنها معي
حيثُ أنا
كأنها النبضُ الذي يحرّك الكيانْ)
وتسير قصائد الديوان كلها على النهج الحزين نفسه، نابعة من قلب عاشق كان الحزن قدره الذي ربما جعله يكتشف كم هو يجيد العشق ويعشقه بحزنٍ ليس سوى الشعر ملاذه. يتضح هذا بشفافية منذ العنوان – الذي لم يعجبني! – وحتى المقطع الأخير على الغلاف الخلفي لهذا الديوان الجميل (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الصادر عن دار نلسن ببيروت مطلع هذا العام، للشاعر القدير، المبدع عشقاً حزيناً/ لامع الحر:
حبٌّ خرافيٌّ يمزّقُ أضلعي
والأرضُ من أزهاره تقتاتُ
ليلى وقيسٌ، عزَّةٌ وكُثيّرٌ
كلُّ الرموز حياتهم مأساةُ
بالأمس وحّد بيننا نجمُ الهوى
واليومَ نحنُ على الثرى أشتاتُ
هل نحنُ أحياءٌ إذا اختمرَ الهوى
أم نحن من غيرِ الهوى أمواتُ؟؟