تابعت بإنصات عبر برنامج اليوتيوب لقاء تلفزيونياً قديماً مع الدكتور عبدالله الغذامي، تحدث فيه عن قصة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله مع الحداثة، وقد أورد الدكتور عبدالله هذه القصة رداً على سؤال المذيع حول استدعاء الشيخ بن عثيمين له، وتفصيله لرؤيته ورأيه حول معنى الحداثة، وقد كان ذلك تقريباً في أواخر العام 1987م.
وقد توقفت في هذه القصة عند أمرين في غاية الأهمية، خاصة في هذا الزمن الذي أصبح العالم فيه مفتوحاً على بعضه عبر وسائل التقنية وصار انتشار الشائعات والتأويلات التي لم يتحدث بها الكاتب في يوم من الأيام تنتشر بسرعة كانتشار النار في الهشيم. والأمر الأول هو أن الحداثة حين أشغلت الناس وبدأ الكثير من الناس يحاربون الحداثيين على اعتبار أن الحداثة في مفهومهم هي الانقلاب على الدين والتاريخ واللغة والعادات والتقاليد، لم يتحدث الشيخ ابن عثيمين عن الحداثة قط، وحين أتى الشيخ إلى جدة أسمعوه شريطاً يتحدث عن الحداثة، ولأنه رجل حكيم ووقور بعلمه لم ينجرف رحمه الله خلف تلك التيارات المضادة التي توجه التهم وتفصلها حسب الأهواء والمزاج، بل استدعى - رحمه الله- الدكتور عبدالله وسأله سؤالاً محدداً قائلاً:
ما الحداثة؟
وحين أخبره الدكتور بتعريفات الحداثة ورأيه عنها، واتضحت الصورة للشيخ لم يتحدث عن الحداثة قط إلا حين يُسأل عنها وعن أمور محددة بعينها وليس عن الحداثة بمجملها ومفهومها العام، ومن هنا انطلق السؤال التاريخي الذي يجب علينا أن نتبعه ونتخذه وسيلة في الحوار والاطلاع وكسب المعلومة قبل الانجراف وراء تيارات الهجوم وتوجيه التهم المتعددة، وهذا السؤال هو الأمر الثاني الذي توقفت عنده وفكرت فيه ملياً حين سمعت تلك القصة. فحين وجه أحد الحاضرين لدرس يلقيه الشيخ في جدة سؤالاً للشيخ عن الحداثة، رد الشيخ على سؤاله بسؤال: ماذا يريبك؟ حدد؟
أي حدد نصاً أو فكرة أو طرحاً معيناً في هذا المفهوم العام الفضفاض قد استربت منه وخالطك الشك فيه، بدلاً من طرح سؤال عام حول المفهوم العام، فنحن منذ زمن بعيد نواجه مشكلة مع المفاهيم الجديدة والمصطلحات الحديثة، وذلك بأننا نلبس هذه المصطلحات «بالضرورة» أفعالاً وأقوالاً قد تصدر من أشخاص ينادون بتلك المصطلحات والمفاهيم والأفكار، فنعتقد أن ما ينادي إليه هو ما نراه عليه من قول وفعل. فحين أتحدث على سبيل المثال عن الحرية ويرى أحد الأشخاص مني فعلاً لا يحبه فإنه يعلق فعلي السلبي على مصطلح الحرية فينبذها. وهذا ما يتناسب مع فكرة الشيخ، حين سأله السائل فطلب منه التحديد، وحين حدد السائل أبياتاً للبياتي، رد الشيخ رحمه الله على هذه الأبيات بعينها، وقال رأيه فيها بذاتها وليس في الحداثة بشكلها العام.
فهل نسأل أنفسنا حين نرتاب مما استربنا؟! ونحدد!
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @