د. عبد الله المعيلي
يروي أحد الإخوة من إحدى دول الخليج العربي أنه حصل له موقف طريف في أحد مطارات الدول العربية، فبينما كان ينتظر موعد الرحلة، وجبت إحدى الصلوات فذهب يصلي، وكان المصلون يأتون زمرًا، كل مجموعة تصلى تليها أخرى، دخل المصلى مع مجموعة من المصلين، طلبوا منه أن يتقدم للصلاة، ذكر لهم أنه مسافر، قالوا كلنا مسافرون، عندئذ تقدم وصلى بهم، يقول: بعد الصلاة اكتشفت أن أحد المصلين لم يكمل صلاته معي من منطلق أن صلاتي باطلة في نظره لذا خرج من الصلاة، الرجل لم يصل، بل انتظرني خارج المصلى، وبعد الصلاة قال لي: ما مذهبك؟ قلت له: أنا مسلم، قال حتى أنا مسلم، لكن أقصد أن صلاتك غير، قلت له حتى أنت صلاتك غير، قال: لا أقصد أن صلاتي صحيحة، قلت له: حتى أنا صلاتي صحيحة، فضحك قال: كيف يعني، قلت له: تعال نبحث في نقاط التلاقي بيني وبينك، خلي نقاط الخلاف، قلت له: أنت تعبد الله، صح؟ قال: نعم، قلت له: حتى أنا أعبد الله، تصور؟ قلت له: كم صلاة تصلي؟ قال: خمسًا، قلت له: حتى أنا أصلي خمسًا، وقبلتي الكعبة، ونفس القرآن الذي عندك هو الذي عندي، ونحن نصوم رمضان، ضحك الرجل وفهم ماذا أقصد، عندئذ صافحني، وقلت له: أتعلم ما مشكلتنا؟ مشكلتنا أننا نبحث في نقاط الخلاف ونترك نقاط التلاقي، لم يذكر الدولة، لكن من سياق الموقف يبدو أنها معروفة.
لقد أصاب هذا الرجل كبد الحقيقة، وشخص الموقف تشخيصًا دقيقًا موفقًا صحيحًا، أن مجتمعاتنا الإسلامية عامة والعربية خاصة، تعاني من أزمة نفسية، واضطراب في الرؤية، وخلل في التفكير، بل خطل ترتب عليه إساءة الظنون، والتصنيف البغيض، والريبة والطعن، أدى هذا وغيره إلى جنوح في التعامل، وشطط في العلاقات الاجتماعية، أفسد حياتنا، ووسع الهوة بيننا، وجعل كل يجلد الآخر ويتهمه، تباعدت قلوبنا، ونفر بعضنا من بعض، وصار هم البعض تتبع الزلات والسقطات، يقف عندها ويعدها مدخلاً للتحذير والطعن والنفرة والكراهية والاتهام، والإبعاد والإقصاء، والتصنيف ضمن دوائر المغضوب عليهم، الذين لا يقبل منهم قولاً ولا عملاً.
وكانت النتيجة الحتمية، تشظي المجتمع الواحد، وانقسامه على نفسه، وتفرقه إلى فرق وأحزاب، كل يكيد للآخر ويحذر منه، ويعده خارج الملة والجماعة، فانشغل كل فريق وحزب في جلساتهم الخاصة والعامة، بالحديث عن الفريق الآخر، يفسقه ويبدعه، ويحذر من التعاطف معه والاستماع إلى قوله، والانتساب إليه، في كل جلسة تستعرض المقولات والآراء والمواقف حتى وإن كانت لفرد واحد، أو في فترة زمنية مضت، رغم التراجع عنها، وطي صفحتها، ومع هذا تبقى وزرًا يتحمله الأتباع حتى وإن كانوا لا يؤمنون بها ولا يؤيدونها، وترتب على هذا تيه الشباب، وتضييق أبواب التعامل مع المختلف، والاقتصار على الرأي الواحد، واعتبار كل مخالف عدوًا مبينًا، لا يمكن التعامل معه، ولا تقبله أو مجالسته والاستماع إليه، فامتلأت قلوب الناس بالظنون، واضطربت وجداناتهم، وصار التخوين سيد المواقف.
هذه حال جل المجتمعات الإسلامية - للأسف - انشغلوا بأنفسهم، ونسوا الأعداء الحقيقيين الذين يكيدون للإسلام والمسلمين المكائد، ويثيرون الفتن بينهم.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: «سوء الظن هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس».
ويقول ابن كثير: «سوء الظن هو التهمة والتخوين للناس في غير محله».
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إذا أراد الله بقوم سوء منحهم الجدل ومنعهم من العمل».
إن الأمن الاجتماعي يحتم على أفراد المجتمع تقبل الآخرين والتعامل معهم في ضوء أوجه التوافق بينهم، وينحوا جانبًا أوجه الاختلاف على ألا يتعارض هذا الاختلاف مع ما يعلم بالضرورة من ثوابت الإسلام.