د. محمد بن يحيى الفال
في تحقيق لصحيفة يمن تايمز (YAMEN TIMES) اليمنية الناطقة باللغة الإنجليزية بعنوان» عصابات صنعاء: هل اختفت مع الوقت أم أنها بداية المشكلة!؟» ونُشر التحقيق في شهر أغسطس 2014 وأعدته الصحفية اليمنية مديحه الجُنيد وتطرقت في تحقيقها عن عصابات صنعاء وركزت فيه على عصابتي منطقتي المُسيك والصافية بمدينة صنعاء. وتحدثت فيه الصحفية مع أفراد عصابات من هذه المناطق والذين أكدوا بأنهم يحمون مناطقهم من تدخل عصابات مناطق أخري وصرحوا لها بأنهم يعيشون على النشاطات الإجرامية من تهريب للأسلحة والمخدرات ويعانون من الفساد والتهميش وغياب الدولة.
وصرح للصحفية الدكتور صلاح الدين الجُميعي أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء بأن هذه العصابات التي لا تخضع لرقابة الوالدين والعائلة والمجتمع هي عرضة للاستغلال من قبل تنظيمات أكثر خطورة وتخضعها لتنفيذ مخططاتها، ويؤكد العقيد مسعد السعيدي نائب تحقيقات شرطة صنعاء ما ذهب إليه الدكتور الجُميعي بأن العصابات تختفي عن أنظار الناس ليلتحقوا مع جماعات وتنظيمات أكثر خطورة. وتاريخ نشر التحقيق يشير إلي بدايات التصعيد السياسي للازمة اليمنية وبعد تخلي الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح عن السلطة طبقا للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية والموقعة في الرياض في نوفمبر 2011.
ولم يكن اختفاء هذه العصابات من صنعاء وغيرها من المدن والمحافظات اليمنية سوى الخطوة التالية وبداية المشكلة كما جاء في عنوان صحيفة يمن تايمز والتي سعي بها المخلوع نحو تقويض السلم الأهلي لليمن فتم تجميع هذه العصابات تحت مظلة واحدة من أجل نشر الخوف والهلع والفوضى وعدم الاستقرار في كل ربوع اليمن وذلك استكمالا لمشروع المخلوع السياسي والذي بدأه منذ توليه السلطة في اليمن والذي أمتد لأكثر من ثلاثة وثلاثين سنة والذي ركز فيه على أن لا يكون للدولة المركزية في صنعاء أي دور خارج العاصمة وهو أمر يصب في مصلحته ومخططه القاضي بجعل اليمن دولة مشتتة تحكم فيه القبيلة وتتنازعها الصراعات بلا نهاية وبلا مستقبل لليمن وشعبه، ولينتهي بإعلانها دولة فاشلة حسب تصنيف صندوق السلام الأمريكي. وتُعرف الدول الفاشلة بالدولة التي تتآكل فيها سلطة الدولة الشرعية وتعجز عن السيطرة على أراضيها وبتدهور في مستوي الخدمات العامة وارتفاع معدلات الاستبداد والفساد والجريمة والمعارضة المسلحة، وكل هذه التصنيفات اجتمعت وتنطبق تماماً على أرث وتركة المخلوع بعد حكمة الطويل لليمن والذي أصر فيه على الاستمرار في دوره التخريبي لمستقبل اليمن من خلال خططه لتوريثه لابنه رئيس الحرس الجمهوري ونقضه للمبادرة الخليجية والانضمام مع عصابة الحوثي بتنسيق مع ملالي طهران.
ويظهر فكر العصابة في تنازع المخلوع مع الحوثيين في صعده حيث خاض معهم ستة نزاعات مسلحة بسبب واحد وهو التنازع على إيرادات التهريب بينه وبين جماعة الحوثي وليس كما كان يصرح بأن نزاعه معهم كان بسبب تمردهم على الدولة ومحاول إسقاطها وإقامة خلافة زيديه. ولتصدق المقولة الشهيرة لم نرهم يسرقون، ولكن رأيناهم يتقاتلون في تقسيم غنائمهم من عملياتهم الإجرامية المعتمدة علي تهريب المخدرات والأسلحة والبشر. وكان يُفاخر المخلوع بنزاعهم معهم والذي بدأ في عام 2004 وانتهي عام 2009، وخان جيشه خلال هذا النزاع بتزويده عصابة الحوثي بالأسلحة عام 2007 وليطلق مصطلح الحروب الستة على النزاع ليحصل على دعم مالي، كما حصل على دعم مالي من الولايات المتحدة الأمريكية في ما أطلق عليه بالحرب ضد القاعدة.
ولينتهي المطاف بين العصابتين للتوحد بينهما لأن مصالحهما تم استهدافها. واستخدمت عصابتي الحوثي والمخلوع نفس تكتيكات العصابات في التجنيد لفرض أجندتهم السياسية على الحكومة الشرعية المنتخبة والذي ركزوا فيه على شريحتين أساسيتين هما البلاطجة، كما يسميهم اليمنيين وهم الخارجيين عن القانون وشريحة الأطفال.
ومن أجل تجنيد اكبر عدد من اليمنيين والزج بهم في آتون الحرب من آجل مصالحهم الضيقة ركزوا على أربع سمات رئيسية لتجنيد اليمنيين المغلوبين على آمرهم وهي الإغراء، الخدعة، الإلزام، الإجبار. وتركز سمة الإغراء المستخدمة من قبل عصابة الحوثي وصالح على خلق أساطير وأكاذيب عن أهداف التحالف العربي، تصب في مصلحتهم وتكون جاذبة للمجندين، وتهدف الخدعة إلي تقديم تفسيرات للمجندين بأنهم يقومون بأعمال من أجل مستقبل اليمن وبأن أقدراهم هي الدفاع عن بلدهم ضد من يحاول الاستيلاء عليه، ويتم تسويق هذه الأكاذيب والتُرهات بشكل ممنهج ومستمر لغسل عقول المجندين، كذلك يستخدم الإلزام في تجنيد الرافضيين الانضمام إلي قوات العصابتين وذلك من خلال ابتزازهم بقروض قدمت لهم أو من خلال تخويفهم من الاعتداء على أعراضهم إذا ما استمروا في رفض المشاركة في العمليات الحربية، ويختص تكتيك الإجبار في المشاركة في الحرب من قبل عصابتي الحوثي وصالح علي تهديد من يرفض الانضمام إليهما بالقتل والتعذيب.
ولا شك بأن ظروف الفقر والجوع والقهر والتهميش التي عاش فيها الكثير من أهل اليمن خلال حقبة حكم المخلوع جعلتهم فريسة سهلة تتحكم فيها أطماع عصابتي اليمن مما جعل الكثير ينضمون تحت إمرة العصابتين ليس بسبب قناعتهم بهم بل لظروفهم الاقتصادية القاهرة.
وحيث إن التجارب تخبرنا بأن العصابات تنتهي بنهاية مصادر تمويلها كونها مُفلسة أخلاقياً وإنسانياً وهو أمر لا تتناطح في عنزتان ورآه الجميع في رفضهم لكل الحلول والمبادرات السلمية من مباحثات جنيف لمباحثات الكويت برعاية الأمم المتحدة التي استمرت لأكثر من شهرين لم يقدم فيها وفد العصابتين سوي التسويف وإضاعة الوقت وأتضح فيها للعيان من يفكر بعقلية الدولة والخوف عليها وسكانها وآمنها واستقرارها ومستقبلها والمتمثل في الشرعية وبين من يفكر بفلسفة العصابة التي لا يهمها لا الأمن ولا والاستقرار وهما العدوين لكل تنظيم عصابي. وعليه فالقوة العسكرية وليس غيرها هو المنطق الوحيد الذي تفقه العصابات، وأكد ذلك الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في قمة شرم الشيخ العربية حيث خاطب القمة موضحاً أهمية استمرار العملية العسكرية في اليمن حتى تتراجع العصابة ويسلم قادتها أنفسهم. وحذر في قمة نواكشوط من العبث بمستقبل اليمن وتحقق تحذيره بإعلان عصابتي الحوثي والمخلوع تشكيل مجلس سياسي لحكم اليمن في بادرة تضرب بعرض الحائط كل المقررات الدولية الخاصة بالنزاع في اليمن وخصوصاً القرار الأممي رقم 2216.
وهنا أمران أولهما مستغرب وهو عدم صدور ما يدين هذه الخطوة من الأمم المتحدة والتي نسفت كل آمل بحل سلمي، والثاني بديهي وهو اعتراف حكومة الملالي بهذا المجلس وهو أمر ينافي القانون الدولي جملة وتفصيلاً.
في خطابة لقمة نواكشوط حذر الرئيس هادي وبعقلية العارف والخبير بالوضع اليمني من أن اليمن يمر بأزمة كبري قد تؤدي إلي تفتيته إذا لم يتم هزيمة مشروع دولة الملالي.
أفرزت الحرب في اليمن ثلاث حقائق محورية وأساسية، الحقيقة الأولي هو أن قرار المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين ملك الحزم والعزم الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود كانت في غاية الصواب والحكمة في دعمها للشرعية اليمنية وتشكيل تحالف عربي لمساندتها ويؤكد حكمة هذا القرار ما نراه من عدوان علي مناطقنا الحدودية ضد المواقع المدنية والتي كان أخرها العدوان الإجرامي ضد المدنيين في نجران الذي أسفر عن استشهاد عدد من الأشخاص، والذي تبجحت فيه حكومة الملالي بأنها هي من زود عصابة الحوثي بالصواريخ.
وعلينا أن نتصور لو أن قيادة المملكة لم تتخذ القرار الشجاع بدعم الشرعية اليمنية لكانت كل مدننا الجنوبية تحت تهديد مستمر من صواريخ ونيران عصابتي الحوثي والمخلوع وبمخططات عدوانية من قبل حكومة الملالي التي كان هدفها النهائي هو إقامة قواعد عسكرية حول صعدة لتهدد بها المملكة وقت وكيفما شاءت، ثاني هذه الحقائق هو أن الشعب اليمني في غالبيته يرفض مشروع دولة الملالي في اليمن، ولن يقبل به تحت أي ظرف من الظروف ولن يهدأ بال اليمنيين الأحرار حتى يروا بلادهم وقد تخلصت من براثن عصابتي الحوثي والمخلوع، الأذناب اللذان حاولا تسليم هذا العمق العربي لدولة الملالي من أجل مصالحهما الضيقة، ثالث الحقائق هو أن الحسم مع أي عصابة لا يمكن أن يكون سياسياً بل عسكرياً وبهزيمتها واستسلامها، فالعصابة لا تفقه فن الحلول التوافقية السلمية، الشيء الوحيد الذي تفقه العصابة هو فقط ما تجيده وهو فرض واقع بالقوة المسلحة ولا غير.