يُعد اكتشاف القيادات الشابة من البرامج المهمة التي يسعى إلى تعميمها القياديون ذوو الحصافة وأصحاب الرؤى بعيدة المدى، بوساطة خطط إستراتيجية وسياسات، ومناهج وأساليب فعَّالة وواعية تُمكِّن من تحصيل مرادها واقتناص الشباب المؤهلين علميًا وعمليًا، كخطوة أولى على طريق تمكين الشباب؛ بعد افتقار كثير من وزاراتنا وهيئاتنا ودوائرنا الرسمية إلى قيادات بديلة لمتطلبات المرحلة الإدارية، والخطط التنموية المستقبلية..؛ سيما وقد تسبّبت تلك الظاهرة الإدارية إلى حد ما في ضعف الأداء العام للوزارة/ الهيئة/ الدائرة، وتعثر خططها ومشاريعها..؛ لذلك أولى خبراء الإدارة في العالم هذه القضية، اهتمامًا كبيرًا، وأهمية بالغة، للحيلولة دون ارتهان سير خططنا التنموية ونجاحها بأفراد محدَّدين؛ لا يخضعون لمعايير دقيقة ولا لتوصيف وظيفي محدَّد..؛ إذا ما تركوا مواقع القيادة والمسؤولية لأي سبب كان؛ تعرَّضت للخطر لعدم توافر البديل القادر على تسييرها بكل كفاية واقتدار.
لذلك فقد انتظمتُ مبهورةً، ومفعمة بالسعادة والشعور بالفخر، في منتصف شهر أغسطس الجاري على مدار ثلاثة أيام في ورشة عمل متخصصة، نظّمتها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، لاكتشاف القدرات القيادية لمنسوبيها، ضمن برنامج (اكتشاف القيادات)؛ بناءً على توجيه معالي الدكتور مفرّج الحقباني، وزير العمل والتنمية الاجتماعية، بفتح باب الترشح لمنسوبي الوزارة للوظائف القيادية؛ لتفعيل المبادرات والبرامج والمشروعات الحيوية المنوطة بالوزارة؛ تمشيًا مع برنامج التحول الوطني 2020م؛ وانسجامًا مع رؤية المملكة 2030م الرامية إلى تأهيل الكوادر البشرية الشابة، وتطويرهم؛ بحضور معاليه، إلى جانب عدد من منسوبي الوزارة وقيادات منظومة العمل والتنمية.
أمَّا وجه الإبهار؛ فكان هذا الجهد المبذول الإيجابي بتوجيه مباشر من معالي الوزير؛ لتغيير نمطية الاختيار؛ ليشمل البحث ساحة الوزارة بأسرها، وألاَّ يبقى مقصورًا، كما في السابق، على مَنْ يثق فيهم أولئك المنوط بهم البحث في الأسماء لاستدعاء الكفايات واختيار أهل الثقة، دون تحقيق معايير الاختيار الدقيق في المواقع المختلفة؛ جنبًا إلى جنب مع ما عايشناه في هذه الورشة المتخصصة التي كانت أشبه بخلية النحل نشاطًا وإنتاجًا وقدحًا ذهنيًا، عبّرت عما بداخلنا جميعًا من مشاعر الود المتواصل وحميمية العلاقة، وانعكس أداء المقيمين والميسرين المشجِّع بروح المسؤولية العالية علينا إيجابًا بعد منحنا مساحات للإبداع وإظهار ما في داخلنا من مهارات وقدرات في هذا الخصوص.
ولعل ما أكّد سعادتي ما أتيح لي ولغيري من قيادات الوزارة الشابة، في هذه الورشة المتخصصة من نقاشات مستفيدة حول الجدارات القيادية وحوارات جادة حول التطوير الإداري المنشود؛ ما أعطانا شعورًا بالثقة بالنفس، وكم أذهلنا اكتشافنا أن ثمة شبابًا وشابات في عمر الزهور، يصلحون بالفعل لتولي مثل هذه المسؤوليات المبدعة، وكأني بالقاعدة الإدارية (الذهبية) للراحل المبدع غازي القصيبي تتحقَّق أمامي: «افتح المجال أمام الآخرين؛ وسوف يذهلك ما تراه من منجزاتهم»!
أما وجه الفخر، فهو جاهزية المشاركين في هذه الورشة المتخصصة، كضمانة، ومحرِّك حقيقي لمستقبل الوزارة، على أسس علمية دقيقة تستكشف المهارات التي يتمتع بها المشاركون، والوقوف على المستوى الفكري والعملي الذي تتطلبه القيادة المنشودة، دون حكم الهوى أو سيطرة رغبة اختيار أهل الحظوة؛ إذ بات اختيار القيادات الشابة قضية أكثر من ذلك تعقيدًا.. وإن شئت قل: إبداعًا..!
وقد سألوا بعض خبراء الإدارة ذات يوم عن رأيهم في مسؤول ما؟ فأجابوا جميعًا: ابحث فيمَنْ يختارهم؛ لتعرف توجهاته الانتقائية؛ فالمرء يُعرَف بمَنْ يختار. ولأن منظومة اختيار القياديين للمناصب؛ تمثّل في الأخير مرآة عاكسة، نرى فيها صورة كاملة للنظام الإداري، وندرك معه حجم قدرته المحتملة على تحقيق الأهداف وصياغة المستقبل..؛ فقد أعرب معالي الوزير في كلمة الافتتاح عن سعادته بانطلاق الوزارة نحو التطوير؛ لمواصلة مراحل رفع مستوى الكفاية والجودة لبرامج ومبادرات الوزارة وخدماتها، آملاً أن يكون هذا الحراك مثالاً يحتذى به في المنظمات الحكومية بشكل عام.
خالص الشكر وعظيم التقدير لأولئك المبادرين لنقل الرؤى والتوجهات الاستراتيجية للوزارة من خلال (اكتشاف القيادات)، سعيًا لتأهيل وتطوير عدد من منسوبي الوزارة لتولي عدد من المناصب القيادية، استفادةً من الكوادر الشابة المتاحة، واستثمار كل مورد بشري من أجل الارتقاء بأعمال الوزارة وخدماتها عن طريق تفعيل المبادرات والبرامج والمشاريع في ظل التوجهات الجديدة التي تشهدها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وصولاً لأداء حكومي فاعل ذي كفاية عالية بقيادة كفايات سعودية قادرة وتملك مفاتيح النجاح.
- أخصائية نفسية