هاني سالم مسهور
بعد أن تم التوقيع على «الاتفاق النووي» بين إيران والغرب في 14 يوليو 2015م زار الرئيس الروسي فلادمير بوتين إيران نهاية نوفمبر 2015م حيث التقى بالمرشد الأعلى والرئيس روحاني، في تلك الزيارة تم تمرير تعهد روسيا بتسليم صواريخ (أس 300) البعيدة المدى لإيران، وكانت الزيارة محط اهتمام وترقب بما سينتج عنها خاصة وأن البلدين يشكلان الداعم الأهم لنظام بشار الأسد، القضية السورية والصواريخ الروسية وحتى العلاقة المتوترة -آنذاك- مع تركيا سلطت الأضواء بعيداً عن التحالف الإيراني الروسي في مجال يراد للجميع أن لا ينظر إليه وهو (إنتاج الغاز) الذي يعتبر واحداً من أهم السلع في المستقبل.
وحتى يمكن استيعاب هذه العلاقة فلا بد من استيعاب العداء الإيراني الروسي والعائد إلى مطالع القرن العشرين الماضي عندما غزت روسيا شمال إيران في محاولتها آنذاك لفرض هيمنتها على بحر قزوين، كما أن إيران لم تجد بُداً من التحالف مع الزعيم النازي هتلر لحمايتها من روسيا وانجلترا، وكانت إيران تاريخياً تشعر بالخوف الحقيقي من روسيا وهو سبب آخر جعلها تلتحق (حلف بغداد) خلال الخمسينيات الميلادية، استمرت إيران حتى الوقت الذي شعرت فيه بالنفوذ من خلال تحالفها مع الولايات المتحدة، مما وضع الإيرانيين في مواقع متقدمة خلال الحرب الباردة.
التحول الإيراني بعد صعود الثورة الإسلامية في 1979م جعل إيران كما يراد لنا أن نفهم أو نتابعها بصاحبة اختيار سياسي ففضلت إيران أن تقف موقف الحياد من الشرق والغرب، إيران الثورة ومنذ أيامها الأولى لم تكن بعيدة عن التجاذبات خاصة وأن الحرب مع العراق شكلت عاملاً من تشكيلها السياسي الذي عُرف بما اسمه اصطلاحاً الخميني (لا شرق ولا غرب)، ومع القراءة في تهاوي النظام العالمي القديم نهاية التسعينيات الميلادية وظهور مراكز قوى جديدة في العالم بعد انفراد الولايات المتحدة وتفكك الاتحاد السوفيتي، وقدرة الأمريكيين مع حلف الناتو على صياغة شكل يوغسلافيا المتناحرة مما وضع العالم أمام نظام آخر يبدو أنه في 2016م تغير تغيراً حقيقياً، فلم تعد الولايات الأمريكية هي القوة الأوحد في العالم، وظهرت حقيقة ضعف حلف الناتو في اختبارات متوالية بدأت في ليبيا واتضحت في إسقاط الطائرة الروسية في تركيا وانكشفت بالكامل مع أزمة اللاجئين.
التغير العالمي الواسع منح روسيا أن تتقدم خطوات بعد أزمة أوكرانيا، وسواء كانت الأهداف الروسية هروباً من استحقاقات تلك الأزمة أو خلاف ذلك فالحقيقة أن روسياً هي لاعب مهم جداً في الشرق الأوسط، حتى تدخلها في الحرب السورية أصبح مجرد مرحلة طويت فالروس اليوم ينسجون خيوطهم مع أغلب العواصم الشرق أوسطية بما في ذلك اسطنبول التي لم تجد بعد المحاولة الانقلابية غير أن تقترب أكثر ناحية موسكو في تموضع لم يكتمل.
إيران بمنهجها المتشدد الذي أفرط في خطاب العداء مع الغرب والشرق، في اعتبار لما يسوقه النظام الإيراني من أنه نظام إسلامي راديكالي لا يسمح بالتنازل تحت أي إطار كان أخذت تقرأ التغيرات الدولية على اعتبار مصالحها فبعد أن رفعت عنها العقوبات الدولية حرصت على الارتباط مع روسيا بشكل يضمن سلعتها الأهم وهي (الغاز)، كما يضمن لها استمرارها في زعزعة دول الجوار العربية ضمن منهجها منذ ثورة 1979م، فالعراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن دول تعاني من التدخلات الإيرانية في شؤونها، كما أن محاولتها المستمرة في تعكير مواسم الحج تأتي ضمن ذات السياق.
سماح إيران لروسيا استخدام قاعدة نوزة قرب همدان بعد أن كشفت وزارة الدفاع الروسية أن قاذفات القنابل الثقيلة تنطلق لتنفيذ عمليات عسكرية على الأراضي السورية، وفي حين بررت إيران ذلك بأنه يأتي ضمن الحرب على الإرهاب فإن من الواضح أن الحلف الروسي الإيراني أخذ شكلاً مختلفاً، وبات من المهم اليوم قراءة هذا الحلف وانعكاساته على دول وسط آسيا، وما يمكن أن يشكله من مخاطر على عديد من الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق، كما أن التقارب التركي الإيراني، والروسي التركي أخيراً يؤشر هو الآخر لتقاطع مصالح على الأرض في كل من العراق وسوريا، فالأتراك مهتمين أكثر من غيرهم بالتواجد في هذا المحور أو على الأقل الاقتراب منه لتفويت الفرصة على الأكراد خاصة مع اقتراب العملية العسكرية في الموصل وما يمكن أن تضيفه للأكراد من مكتسبات.
تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، والتوسع الروسي في المنطقة، يعني أن هنالك خللاً واضحاً في ميزان النفوذ ليس فقط في مناطق النزاع الشرق أوسطية بل هو أبعد من ذلك، فتأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تبدو ارتداداتها السياسية أسرع مما كنا نعتقد، حتى الانكفاء الأمريكي يبدو اليوم هو أكثر تأثيراً مما كان ينتظر، التوازنات تعني أن علينا أن نمتلك قدرة على الخطوة الاستباقية لتأمين الشرق الأوسط من أزمة أخرى تضاف لأزمات متفجرة سببها الأول والأخير هو إيران، التي ازدادت فوضوية عقب رفع العقوبات عنها.