اشتهر سوق عكاظ بأنه ملتقى أدبي يتبارى فيه الشعراء، وكان سوقاً للبيع والشراء وملتقى للعرب، حيث توحّدت فيه اللهجات، ولقد سعدت بحضور الدورة العاشرة والمشاركة في فعالياتها الثقافية.
وكانت سوق عكاظ تُقام في شهر ذي القعدة لمدة عشرين يوماً، واستمر حتى نهبه الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة، ولعكاظ فضل على اللغة العربية في العصر الجاهلي، إذ لولاها لأصبحت لغات لا يتفاهم أصحابها حتى إن لغات القبائل العربية كان بينها تفاوت في اللهجة والأسلوب واللفظ، فلما عظم شأن سوق عكاظ وجاءه الشعراء والخطباء كان همهم انتقاء الألفاظ الفصيحة المشهورة عند أكثر القبائل العربية لا سيما قريش، ويروى عن قتادة قوله: كانت قريش تختار أفضل لغات العرب حتى صار أفضل لغاتها لغتها فنزل بها القرآن الكريم، وبذلك كان الشعراء والخطباء يبثون وحدة اللغة في أشعارهم وخطبهم فيما بين القبائل العربية متبعين في ذلك لغة قريش غالباً، وكانت سوق عكاظ معرضاً واسعاً وتظاهرة ثقافية ومجمعاً لغوياً، وقد امتد حوالي قرنين ونصف، وكان له فضل في رقي الذوق الأدبي وعلو كعب القصيدة العربية.
لقد كان الشعراء والأدباء في شمال الجزيرة وشرقها وجنوبها يتمنى كل شاعر أن يحضر لسوق عكاظ وشهود مواسمه ووقائعه، فقد كان الشعر في العصر الجاهلي مأدبة الشعراء التي لا تنضب ولسانهم الناطق بألوان الفصاحة والبيان، وكان لسوق عكاظ مراسم خاصة في جلسات التحكيم، فكان النابغة الذبياني تُضرب له قبة في سوق عكاظ يأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارهم فأنشده الأعشى ثم أنشده حسان ثم الشعراء ثم جاءت الخنساء فأنشدته فقال لها النابغة والله لولا أن الأعشى أنشدني آنفاً لقلت إنك أشعر الجن والإنس، قال حسان والله لأنا أشعر منك ومن أبيك ومن جدك فقبض النابغة على يده ثم قال يا ابن أخي إنك لا تحسن أن تقول مثل قولي:
فإنك كالليل الذي هو مدركي
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وهكذا كان النقاش والجدل حول مضمون النص المسموع والمقروء بروح عالية وإدراك للمضامين والأبعاد.
لقد قام الأمير خالد الفيصل ببث الحياة في هذا السوق وهو صاحب إبداعية ثقافية وإدارية وهو شاعر مرهف الإحساس. إن هذا المهرجان التراثي والتاريخي والسياحي يحمل دلالات على أهمية السياحة الثقافية الأدبية من حيث تفعيل الجوانب الثقافية بمشاركات متعددة حتى يعود لهذا السوق وهجه وصيته ومكانته وهو أمر غير مستبعد ليصبح وجهة العرب الثقافية وكل شعراء الوطن العربي كي يعبروا من خلاله عن نتاجهم الفكري والإبداعي، وبعد فقد قضيناها أياماً ممتعة مفعمة بعبق التاريخ ومليئة بالذكريات والوقوف على موقع السوق في العرفاء والتجول في هذا المكان المتسع لقبائل العرب، وتذكّرت أرجوزة الرداعي والمعالم التي أشار إليها وتذكّرت قول أبي ذؤيب:
إذا بني القباب على عكاظ
وقام البيع واجتمع الألوف
وما شهدناه مفيد ومبهج؛ حيث تحول إلى عرس ثقافي متميز من واقع حضور لكبار المثقفين ولقاءات وزيارات ثقافية مفيدة وثرية أعادت لنا ذكريات الأيام التي عشناها في ربوع الطائف أيام الدراسة في دار التوحيد، وكنا في ريعان الشباب والحيوية في السبعينيات وكم راعنا مناظره وأجواؤه الباردة وشعابه وأوديته ونجاده ووهاده ومنتزهاته وأطلاله وأشجاره الوارفة الظلال، إنها ذكريات مليئة بعبق التاريخ والتراث أعادت لنا الذكريات التاريخية التي أبرزها الشعر عبر العصور وما جرى على أرضه من مساجلات ومبارزات.
- أمين عام دارة الملك عبدالعزيز السابق