د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
سئلت ذات مرة من قبل مذيع عرض علي استضافتي في برنامج رياضي عن رأيي في التعصب الرياضي. فأجبته بأن الرياضة بلا تعصب ليست رياضة. فالتعصب هو دم الرياضة وملحها. فاتسعت حدقات عيون صاحبي وفغر فاه وبالطبع ولم تتم استضافتي. ولكني شرحت له بأن القضية تتلخص في أننا لا نعرف كيف نتعصب. فالتعصب كالمرض يشحن العقل ويورم القلب، و منه الحميد ومنه الخبيث. فأعراض التعصب الحميد هي أن تحب ناديك وتدعمه وربما تذهب للملعب مع أصحابك أو أقاربك أو أبنائك لتحضر مبارياته، وهذا هو أساس الرياضة.
ومن التعصب الحميد أيضا أن تشجع منتخبات وطنك ويذوب حب ناديك في منتخب بلادك فلا تتعصب للاعبيه فقط في المنتخب. أما التعصب الخبيث، أبعد الله عنا وعنكم كل شر، فهو أن تشجع في المنتخب لاعبي فريقك فقط، وأن تبغض منافسي فريقك بشكل غير شريف وبعيد عن الروح الرياضية، وأن يفوق بغضك للفريق الآخر حبك لفريقك. ومن أسوأ حالاته أن تشجع فريقاً أجنبياً ضد فريق وطني منافس.
لكن هذه الروح الرياضية قابلة للإفساد سريعاً متى ما دخلت أمور غير رياضية في موضوع الرياضة كالسياسة، أو المال، أو المناطقية، أو المذهبية. سيب بلاتر، مثلاً، أشهر إداري رياضي ربما في التاريخ، بنى اتحاداً كروياً بمليارات الدولارات من أموال التشجيع، والدعاية، والنقل التلفزيوني، لكنه لم يستطع مقاومة المال والنفوذ فلحقت به وبكثير من العاملين معه تهم الفساد. ولا يزال فخامة امبراطور كرة القدم يركض بين زوايا المحاكم ليثبت براءته.
الخير يخص والبلاء يعم، هكذا يقول المثل. وقد لحقت تهم مشابهة باتحادات كثيرة تابعة له في كافة انحاء المعمورة.
بل إننا سمعنا في الأيام الأخيرة عن بعض الاتهامات المتبادلة ببعض التجاوزات والممارسات غير السوية في اتحاد كرة القدم لدينا. وربما يكون ذلك لتنشيط برامج التلاسن التلفزيوني، ولرفع مستوى الإثارة بين الجماهير التي ملت أخيراً من متابعة نتائج فرقنا ومنتخبنا في المسابقات الخارجية التي لا تسر. أو أنها قد تكون بسبب الحماس الزائد وزيادة جرعات التعصب الخبيث. فنحن لم نسمع من قبل عن جماهير سعودية تشجع فريقا أجنبيا ضد فريق سعودي إلا مؤخراً. بل وقد تجاوز ذلك لتصوير البعض مع الحكم الأجنبي الذي لا يختلف اثنان على أنه ظلم فريقا سعوديا وأخرجه بشكل فاضح من كأس آسيا. وهناك إشاعات نأمل ألا تكون صحيحة بأن هذا الحكم القدير قد حصل على بعض المال الوفير الذي حفزه على التقاعد المبكر.
والحقيقة هي أننا كنا نحتاج لفوز فريق سعودي، أي فريق سعودي، ببطولة قارية لأن ذلك سيرفع معنويات بقية الفرق والمنتخب بأمل الفوز ببطولات مماثلة. ولكن للأسف طغى قصر النظر على طول الأمل.
ثم وافانا أحد مسئولي اتحاد كرة القدم، مسئول ذو خلفية قانونية و سبق وشارك في لجان لمكافحة الفساد على مستوى إقليمي وربما قاري، بتصريح شمشوني فهمه كثير من المتلقين على أنه هدم للهيكل على من فيه في عملية انتحارية. هذا المسئول صرح بعد مباراتين فقط من بداية الدوري أنه «يشتم عملاً خفيًا، وترتيبات دنيئة» لتمكين فرق كبير من الفوز بالدوري. وقد كان لهذا التصريح وقع كبير على الوسط الرياضي لصراحته وخطورته لولا أنه تبين أن تصريحات هذا العضو غير المنضبطة مستمرة، ومن زمن طويل واتحاده لم يسأله عنها قط. والطريف في الأمر أن هذا المسئول القانوني الصريح جداً اتبع تصريحه بتصريحات أخرى يقول فيها أنه لا يرى أي تجاوز قانوني أو معنوي أو أخلاقي في تصريحه لأنه لم يصرح به من مكتبه، أو في خطاب رسمي للجنته!! وأنه لا يرى إشكالاً قانونيًا في استخدام عبارات مثل عمل خفي، وترتيبات دنيئةً!! بل وصرح متفاخراً بأنه كالمتنبي ينام ملئ جفونه عن تصريحه ويسهر الناس جراءه ويختصم. إذا كان هذا التصريح لمتخصص القانون في الاتحاد، فماذا عن البقية؟!