أ.د.عثمان بن صالح العامر
أعلنت جامعة شقراء الأسبوع الماضي عن رغبتها في الاستعانة بمتعاونين للتدريس فيها، سواء أكانوا من حملة الدكتوراه أو الماجستير بل حتى البكالوريوس، وهذا في نظري - الاستعانة بمتعاونين - لن يكون حكراً على جامعة بعينها، بل غالباً سيمتد ليشمل جلّ إن لم يكن كل الجامعات الناشئة هذا العام، وذلك لما أعرفه شخصياً - كما يعرفه غيري من المنتمين لهذه الجامعات - عن نقص الكادر الأكاديمي الوطني فيها، وصعوبة التعاقد، بل لا أبالغ إن قلت استحالته خاصة في التخصصات العلمية الدقيقة، وعلى وجه أخص في مناطقنا الإدارية غير الجاذبة لأعضاء هيئة التدريس الأجانب والعرب، ومن باب أولى للسعوديين الذين استقر بهم المقام في العاصمة الرياض أو جدة والمنطقة الشرقية، وهذا الأمر المشار إليه أعلاه مؤشر خطير على ضعف الوضع الأكاديمي في هذه الجامعات، فضلاً عن أن هذا الحال ينذر بتخوف شديد على مستقبل هذه المشاريع العلمية التنموية الواعدة التي ما زالت في طور التأسيس والبناء، مع أن بعضها مر عليه أكثر من عشر سنوات .
لقد كتبت عن هذا الأمر نهاية العام الجامعي الماضي، وأعيد الحديث عنه اليوم ونحن على مشارف بداية عام جامعي جديد لأهميته وخطورته، إذ إن الثمن هو في النهاية المراهنة على جودة وقوة وتمكن الخريج من هذه الجامعات في مادته العلمية، وامتلاكه المهارات الأساسية لمزاولة مهنته التي تخصص فيها، سواء أكانت الطب أو الشريعة والقانون أو الهندسة أو تقنية المعلومات أو الإدارة أو التربية أو ...، وربما انسحب الطالب محل الحديث من مقاعد الدراسة الجامعية جراء إخفاقه في تجاوز المواد الصعبة بالسنة التحضيرية المفروضة جبراً على الجميع، ونزول معدله التراكمي ليس لضعف فيه شديد فحسب، ولكن لعجز أستاذ المادة غير المؤهل في تدريس ما وكل إليه، وضعف لغته العلمية الإنجليزية، إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه . وهذا وذاك « الخريج الضعيف، والمطوي قيده « كلاهما عبء على الوطن، وقد يكونان- لا سمح الله - أرقاما جديدة في خانة البطالة التي هي في النهاية معول هدم خطير يجب الحذر منه وتوقِي شروره.
إنني من منطلق أكاديمي صرف أعتقد جازماً أن عضو هيئة التدريس المؤهل تأهيلاً أكاديمياً وأخلاقياً وفكرياً، القادر على إيصال المعلومات المطلوبة للطلاب بشكل صحيح، السليم من تصفيد الأدلجة والتحزب والعنصريات أياً كان مضمونها وبأي صورة اكتست هو الرقم الأهم في مسار جامعاتنا عموماً والناشئة منها على وجه الخصوص، ولذا فإنني أهيب بمعالي وزير التعليم الموقر - وهو مَن هو في هذا البحر المتلاطم الأمواج - أن يعنى بهذا الجانب على وجه الخصوص، ولعل من باب المشاركة في اقتراح الحل أن أسوق هنا فكرة تكوين لجان جامعية مع بداية هذا العام الجامعي يترأسها معالي مدير الجامعة وتضم في عضويتها وكيل الجامعة للشئون الأكاديمية وعميد شئون الأساتذة وعميد الجودة والتطوير، يكون من وكدها خلال الفصل الدراسي الأول مراجعة السير الذاتية لجميع أعضاء هيئة التدريس الأجانب والعرب والسعوديين ومن في حكمهم، من كان منهم على ملك الوزارة أو تابعا للشركة المتعهدة بتشغيل السنة التحضيرية واتخاذ القرارات الصارمة في حق الجميع، المبنية على أساس علمي دقيق وواضح، التي من شأنها التصحيح الشامل والكامل للوضع القائم الذي كثُر الحديث عنه في مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام، ومن ثم الرفع لمقام الوزارة التي من واجبها المراجعة والتدقيق، ومن ثم التوجيه بالاستقطاب والتعاقد حسب الحاجة، وبناء على دقة التخصص واستمراريته والجامعة التي تخرج فيها والمعدل المتحصل عليه بما يتوافق مع اللوائح المعمول بها في الجامعات السعودية، وإعادة توزيع الوظائف الأكاديمية حسب الاحتياج الحقيقي لكل قسم في كل كلية في كل جامعة، ليس كما هو حادث حتى تاريخه للأسف الشديد في كثير من جامعاتنا السعودية، فضلاً عن وضع الضوابط الأكاديمية والأخلاقية المهنية للمتعاونين الذين- في الغالب- لا يشعرون بالانتماء الحقيقي للجامعة كما هو حال عضو هيئة التدريس، وربما كان التعاون الباب الخلفي الذي أرادوا من خلاله الالتفاف على النظام والانتماء لمنظومة العاملين في الجامعة بعد أن أعياهم الدخول إليها بالطرق الرسمية المعروفة عبر اللجان الأكاديمية المتخصصة التي من المفترض فيها ابتداءً أن تفرز وتختار الأفضل والأجود والأحق بشكل علمي صحيح، والشيء الأهم الذي يتحقق به في نظري الحل الطويل الأجل: سعي الوزارة الحثيث مع المقام السامي الموقر والوزرات ذات الاختصاص (المالية والخدمة المدنية) لإيجاد المحفزت والمغريات المادية والمعنوية التي تدفع أعضاء هيئة التدريس السعوديين ومن في حكمهم إلى الانتقال لهذه الجامعات والاستقرار في مناطقنا المحدودة الفرص أكثر مما هو موجود في الوقت الراهن، حتى لا يأتي اليوم الذي تصبح فيه هذه الجامعات والكليات مصدر قلق لمستقبل تعليمنا الجامعي الذي نراهن عليه، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.