ناصر الصِرامي
وسائط ووسائل جديدة تتنافس لجذب انتباهنا، حتى أصبح تركيزنا مشتتًا أمام غزارة المعروض، ودعوات الإغراء لجذب انتباه المتلقي، الذي أصبح سيد الموقف والاختيار، وإهماله أو تجاهله يعني نهاية الوسيلة.. أو القصة..!
لكن هذه ليست نهاية الحكاية بل بدايتها، كما تظهر لنا كل التطورات من حولنا؛ إذ لا يمكن اليوم الفصل بأي طريقة كانت بين التطورات التقنية وحرية التعبير، أو على الأقل المساحات الجديدة التي تتيحها للجميع دون استثناء للتوجهات أو النوايا، والأخيرة يصعب الحكم عليها،أو وضعها في إطار الأعذار والتقصير..!
قبل أن يصبح المواطن صحفيًّا قبلها كان الصحفي مواطنًا دائمًا، فقد أصبح متاحًا لنا المشاركة والتفاعل، بل صناعة المحتوى، سواء كنا صحفيين أو إعلاميين أو مثقفين أو مجرد متابعين ومتفاعلين.
لكن قبل ذلك كله كانت نظريات العلاقات العامة تعتبر أن مواجهة الصحافة (السلطة الرابعة كما ينبغي لها أن تكون) نوعًا من الانتحار لأي مؤسسة أو هيئة أو منظمة خاصة أو عامة؛ لأن أصحاب السلطة الرابعة يملكون نفوذ التأثير وتوجيه الرأي العام، أو حتى حثه على اتخاذ موقف. لا توجد أي نظرية أو خبرة تحث السياسي أو الاقتصادي والمسؤول أو السيد الوزير! - مهما بلغ نفوذه - أو حتى النجم - مهما بلغت جماهيريته - على المصادمة مع هذه السلطة، بل على الأدق تدعو صراحة للمصالحة والتراضي وبعض الوضوح معها، بل حتى التراخي الاستراتيجي في عمق المشاكل.
وهناك بطبيعة الحال استراتيجيات مستمرة للتعامل مع الرأي العام في الأوقات الاعتيادية، فضلاً عن الأزمات وإدارتها. وأول قرار تتخذه أي شركة أو منظمة عالمية حال تعرضها لأزمة - أي أزمة - أن تشكِّل خلية أزمة، أول اهتماماتها التعامل مع الإعلام ووسائله، قبل أن تبدأ حتى في طور الحل للمشكلة الأساسية. قد تصرف مبالغ طائلة أيضًا، لكنها لم ولن تستخف بالإعلام والمؤثرين بالرأي العام..!
وكذلك تفعل الدول ما هو أبعد، وهي تتجه - أيها السادة - إلى ما يسمى بـ»الدبلوماسية الشعبية»public diplomacy.. وذلك موضع أو قصة أخرى..!
اليوم مع الإعلام الاجتماعي ووسائط الإعلام الجديد تبدو المهمة أكثر تعقيدًا، لكنها بالتأكيد ليست مهمة صعبة بالمرة، لكن في الوقت ذاته لا يزيدها تعقيدًا إلا التجاهل أو الاستخفاف بها. لا يمكن كتم حرية الإعلاميين والمبدعين والكتّاب والمفكرين والمختلفين بالتجاهل، أو القمع الوظيفي، أو الحرمان من النشر -مثلاً - ففي الأرض وفضاء الإعلام الجديد متسع!
لكن دائمًا الصعوبة تأتي من انعدام الخبرة، أو التعامل الجاد مع أدق التفاصيل. ففي ظل حجم المعروض اليوم، وحجم التفاعل، كما حجم المساحات المتاحة للتعبير والتفاعل وتحريك الرأي العام، تصبح نظريات العلاقات العامة أكثر حركة أو أكثر تفاعلاً، بل أكثر التصاقًا بكل هذه التحولات.
أمرٌ لا ينطبق على الأفراد أو الشركات، بل على مستوى الدول الحريصة على خلق صورة ذهنية أفضل في كل الجوانب التي تطمح إلى تحسنها.. أو لنقل تصحيحها.
إلا أن فشل الجهاز أو الأجهزة أو البرامج المعنية في استيعاب هذه التحولات الاتصالية الكبرى مع الرأي العام المحلي أو الخارجي سيعني بالضرورة خسارة الملايين المستثمرة لهذه الأغراض، ولاسيما تحقيق نتائج عكسية وسلبية يصعب علاجها!
المهمة ليست مستحلية مجددًا، لكنها تحتاج لتحديث مستمر للبنية والوسائط الحديثة التي تشكل الرأي العام للمواطنين؛ فالرأي العام اليوم يخلقه المواطن.. فقد أصبح كل مواطن صحفيًّا.. أو حتى نصف أو ربع صحفي.. ولا يمكن الاستخفاف به أو تجاهله..!