د. حسن بن فهد الهويمل
تذكرت - وأنا في لجَّة الحديث - مقالاً آخر لـ(رئيس التحرير) نُشِرَ يوم 11-5-1437 بعنوان (أمريكا التي كانت, وأمريكا التي ستكون) وفيه تجسيد دقيق لموقف أمريكا المهادن, المتمثل بنصائحها التـثبيطية لتركيا, في ظل التدخل الروسي, ومساندته للأكراد.
المؤسف، والمؤلم أنّ (روسيا) بوصفها المعادل الأقوى للنفوذ الأمريكي في المنطقة، رمت بثقلها العسكري, و(اللوجستي) لمناصرة حلفائها, الذين لا يملكون شرعية الوجود, ولا يجدون ما يعوضون به خسائرها .
فيما تُسْلِمُ أمريكا حلفاءها الأغنياء، والأقوياء, والأوفياء, الذين يمارسون حقهم المشروع للخروج من دوامة الفتن.
إنّ حسابات أمريكا التراجعية, تمثل خيبة أمل غير متوقعة من دولة بحجمها, وبإمكانياتها.
والأدهى, والأمر أنّ وزير خارجيتها, يمارس الرحلات (المكوكية) ليدس أنفه في كل صغيرة, وكبيرة في المنطقة الملتهبة، ثم لا يفعل شيئاً يثبت حسن النوايا، وسلامة المقاصد.
إذ كل مواقفه من القضايا الحساسة تراجعية, لا تحقق إلا الفشل، وسوء السمعة، والرفع من معنويات الأعداء.
(المملكة العربية السعودية) في ظل هذه التحولات, لما تزل ملتزمة بكل متطلبات العهود, والمواثيق مع أمريكا, ومع غيرها.
وممارسة أمريكا المترددة، تدفع بالمملكة مكرهة إلى البحث عن بديل يكون أكثر التزاماً بالوعود، ووفاءً بالعهود.
وهو ما لا تريده المملكة, ولكن التردد الأمريكي، والعجز عن النصرة في ساعة العسرة, والمواقف المريبة, كل ذلك, أو بعضه يحمل المملكة على مراجعة خططها، واتخاذ قرارات، لا تود اتخاذها على حد:-
(إِذَا لَمْ تَكُنْ إلَّا الأسنةُ مَرْكَباً
فما حيلةُ المُضْطَرِّ إِلَّا رُكُوبُها)
مصلحة المنطقة تتمثل بالتزام أمريكا بالعدل، والوفاء بالوعد, والعهد، والسعي لفك الاشتباكات، وحقن الدماء, والأخذ على يد المعتدي، وعدم الركون إلى اللعب التي تصعد المشاكل, وتدمر الإمكانيات.
وواجب المطابخ السياسية في أمريكا إدراك المآلات السيئة لكافة أحوال المنطقة، وأنها ليست بمعزل عن تلك النتائج السيئة.
مصلحة أمريكا تقوم على الأسواق المستهلكة، والخامات المتعددة، وذلك يتطلب توفير أجواء آمنة. ولن تتحقق المكاسب المطلوبة في ظل الأخذ النهم، والتلكؤ في العطاء.
وعلى أمريكا أن تدرك أن أصدقاءها، وحلفاءها سيواجهون مصائرهم العصيبة بكل ما يستطيعون. حتى ولو أدى ذلك إلى التخلي عنها، وإفساح المجال للقوى المعادية لها، لتحل محلها.
وكيف يتأتى حفظ مصالحها، وهي التي لا تكتفي بالتخلي عن أصدقائها, وحلفائها، وإنما تتجاوز إلى حفظ التوازن بين الفرقاء، مع الإبقاء على الأزمات.
أمريكا شريك في كافة الحروب التي تجتاح المنطقة العربية، وتخليها عن أصدقائها مؤذن بوجود فراغات سياسية, لابد أن تمتلئ ببديل, قد لا تريده المنطقة.
وحين لا تتدارك الأمر, يصعب عليها استعادة مكانتها,.ولا سيما أن (إيران) فتحت أراضيها، وأجواءها للتحرك الروسي.
فهل خيارها أن تعود إلى سابق عهدها، عندما كانت (بريطانيا) سيدة الموقف ؟.
إنه خيار صعب، مُضِرٌ بها، وبالمنطقة. فالترتيبات التي اتخذت على مدى تسعة عقود, وبمباركة من (روزفلت) و(تشرشل)، واستقرت معها أحوال المنطقة، لابد أن تظل قائمة، وبقاؤها صعب في ظل التخذيل, والتخاذل, والتآمر المكشوف.
الدول الحليفة, والصديقة لأمريكا أمام خيارات صعبة، إذ لا مجال لقبول الوضع القائم، ولا قدرة على احتمال تخلي أمريكا المحبطة, والمخيفة ..
فهل تَعِي أمريكا الموقف قبل فوات الأوان؟.
ذلك ما نتطلع إليه, ونتوسّمه في قدراتها الواسعة, وإمكانياتها المدهشة، ومؤسساتها النيابية, ونهوضها بحماية الحرية, وحقوق الإنسان التي تدّعيها, وتتخذها شعاراً.
إنّ على أمريكا أن تدرك أنها وحدها المسؤولة عن تخلي أصدقائها عنها:-
(إِذَا تَرَحَّلْتَ عَنْ قَوْمٍ، وَقَدْ قَدِرُوا
أَلَّا تُفَارِقَهُم, فَالرَّاحِلونَ هُمُ)