عبده الأسمري
غوى الشيطان أبانا آدم وأمنا حواء بإخراجهم من الجنة، وكانت البداية في إطار العصيان وتأرجح النفس إلى قطب سالب في قصة قرآنية ملهمة، ومنذ أن قتل قابيل هابيل بسبب الحسد وتجاهل النصيحة في عمق إلهي وحكمة ربانية جليلة وبعدها عشرات القصص التي كان عنوانها التضاد بين قطبين موجب وسالب. تبقى في العرف الإنساني تفاصيل ليست بالنادرة أو الفجائية أو الصادمة، إذا ما عرفنا أن النفس الإنسانية بين قطبي الإيجاب والسلب وفي إطار متأرجح بين التشدد والانفتاح، وفي صراع بين الخير والشر. هذا التناقض الفريد المبرمج بحكمة إلهية يتيح للإنسان مجالات تفكير رحبة وبيئة خصبة للاستعانة بالعقل الذي يشكل محور القرار بعيدا عن القلب الذي لا يشكل سوى عامل مساعد بعاطفته التي قد تشكل إضافة لصناعة قرار حكيم أو خطر يودي بقرار عقيم يفضي إلى الهاوية.
لسنا بحاجة إلى عصا موسى أو خاتم سليمان لنفهم طبيعة النفس والصراع القطبي في تأرجحها ورغبتها الكبيرة في الثبات عند نقطة وسطية. وعندما جاء الإسلام كانت الوصفة كافية للتفرقة بين هذين القطبين عندما نستند على الوسطية وحينما نربط العقل والمنطق بالدين فنخرج بحل سديد.
في المعاملات الإنسانية ليس علينا القراءة أو البحث طويلاً في نظريات علمية وفي علاج أنفسنا قد نستلهم حكمة من ابن خلدون أو منهج حياة من أين القيم ولا نحتاج فلسفة عميقة في كتب أفلاطون أو أرسطو كي نشرع في أعماق النفس بحثاً عن العلم والمعرفة، علينا فقط فهمها على طبيعتها.
إذا ظلت النفس في مستوى السطحية تعيش في هدوء مفترض، ولكنها ستظل في خطر متوقع بين معادلة التأرجح ما لم يتم ضبطها بالتربية وبالدين الصحيح الوسطي والعلم المستند على المعرفة وسبر أغوارها بعيداً عن التلقين، فالحكمة ضالة المؤمن والعاقل من اتعظ بغيره، والحياة مرتع للدراسة بمناهج يومية مجانية ولكن المشكلة ان التعمق في ذلك يعيد النفس إلى تأرجح جديد بين الأعماق والسطحية لتدخل في صراع جديد.
النفس الإنسانية بين صراع دائم ما لم يتم ضبطها في نقطة الثبات وإعادتها إليها مع كل موجة تغيير سلوكي أو استجابة فجائية لمثير ما، لذا فان من اهم احتياجات النفس التي تعد احتياجاً أول هو «الانضباط» في مستوى من الثبات حتى تتزن أولاً في الحياة ثم تتوازن في العيش ثم تفكر وتنتج لأن العقل أداة عمقها نفس تبحث عن الإيجابية حتى تنتج وحتى نبدع.
النفس بحاجة دائمة للتعامل مع المعطيات بواقعية وفلسفة فكرية خاصة هدفها الأسمى «النجاح» خارج إطار التعميم والعدوى من تجارب فشل الآخرين.
للنفس فلسفتها الخاصة متى ما امتلك صاحبها «مفتاح الضبط الحياتي» و»كلمة المرور النفسية الصحيحة لمعرفة تفاصيلها» والرقم السري الأمثل للولوج لأعماقها وربطها بالواقع بطريقة فكرية ذاتية تستند للمنطق وتعتمد على التفكير.