فضل بن سعد البوعينين
استبق مجلس الوزراء الموقر زيارة ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان للصين بتفويض عدد من الوزراء بالتباحث مع الصين في شأن مذكرات تفاهم في قطاعي الثروة المعدنية والطاقة، ومجال تخزين النفط، والتعاون في مجال موارد المياه، إضافة إلى مشروع البرنامج التنفيذي لإنشاء المركز السعودي الصيني لنقل التقنية.
توفير الأجواء المحفزة للمباحثات السعودية الصينية التي ستسبق مؤتمر قمة العشرين أمر غاية في الأهمية لتوثيق الشراكة؛ والتحرك العملي نحو تفعيل ما تمخضت عنه قمة الرياض التي جمعت خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الصيني شين جين بينغ مطلع العام الحالي؛ والتي أسفرت عن توقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم شملت عدداً من المجالات التقنية والاقتصادية والنووية.
أحسب أن زيارة سمو ولي ولي العهد ستسهم بشكل مباشر في توثيق العلاقة الإقتصادية و إستكمال الملفات المهمة المتوقع أن تزيد من حجم التبادلات التجارية؛ وتسهم بشكل فاعل في نقل التقنية؛ وضخ الاستثمارات النوعية وتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين.
التسارع اللافت في العلاقات السعودية الصينية نجح في اختزال الزمن وبناء شراكة قائمة على المصالح المتبادلة؛ وإذا كان النفط من أهم ركائز العلاقة الاقتصادية بين البلدين، فإن المملكة تسعى جاهدة لتنويعها وزيادة عمقها وأثرها على التنمية الصناعية والمدنية والتقنية بشكل خاص؛ في الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى توثيق علاقتها بأكبر شركائها الإقتصاديين في المنطقة وتأمين حصتها النفطية والموارد الطبيعية.
ارتفاع حجم التبادل التجاري مع الصين إلى 185 مليار ريال؛ وإحتلالها المرتبة الاولى من بين أكبر(10) دول مستوردة من المملكة، يوفر قاعدة مشتركة يمكن الإنطلاق منها نحو تنويع العلاقات الإقتصادية وتشعبها؛ إضافة إلى العلاقات الدبلوماسية وتنسيق الرؤى حيال الملفات السياسية في المنطقة. لا يمكن للشراكة الإقتصادية أن تُستكمل مع أحادية المنتج الذي يتشكل منه الجزء الأكبر من حجم التبادل التجاري؛ ومن هنا فتأمين حصة إستراتيجية من النفط من مصادر مستدامة يمكن الوثوق بها يتطلب مزيد من العلاقات الإقتصادية المتنوعة والمتشعبة التي تزيد في عمق العلاقة النوعية؛ و الروابط الوثيقة التي لا يمكن التحول عنها بسهولة.
ومن جهة أخرى؛ فمن مصلحة دولة منتجة كالسعودية أن تحافظ على أكبر عملائها المستوردين للنفط؛ في سوق بلغ فيها التنافس قمته. ففي الوقت الذي تهتم فيه الصين بتأمين حصتها من النفط؛ وتعزيز شراكتها بالسعودية وإحياء طريق الحرير لتوثيق علاقتها التجارية بالشرق؛ والدخول في إستثمارات نوعية في قطاع التكرير والغاز والبتروكيماويات والمعادن والبنى التحتية؛ تهتم السعودية بتطوير إقتصادها وتحقيق أهدافها التي تضمنتها رؤية المملكة 2030 وهي أهداف طموحة تعتمد في كثير من جوانبها على الاستثمارات الاجنبية وتوطين الصناعة ونقل التقنية واحسب ان الصين من أكثر الدول القادرة على المساهمة الفاعلة في تحقيق تلك الأهداف الطموحة من خلال شراكات استثمارية صناعية تجارية مستدامة.
توثيق العلاقة التجارية والاستثمارية والصناعية والتقنية مع الصين من اهم الخطوات الداعمة لتحقيق أهداف المملكة المستقبلية ذات العلاقة بالاصلاحات الاقتصادية ولا استبعد ان تتمخض الزيارة الرسمية عن توقيع إتفاقيات نوعية يمكن أن تسهم في توثيق العلاقة الإقتصادية وتنوعها.
الشراكة بين الشركات الصينية؛ والسعودية؛ وفي مقدمها أرامكو و سابك ستسهم دون أدنى شك في التوسع الإستثماري؛ وأحسب أن شراكة القطاع الخاص يمكن أن تعمل بطريق موازية للجهود الحكومية المركزة؛ وتسهم في تطوير العلاقة الإقتصادية على أسس إستثمارية إبتكارية رائدة وتنمية المحتوى المحلي الذي يعتبر من أهم أهداف المملكة الإستراتيجية.
رفع مستوى الشراكة الاقتصادية بين السعودية والصين سيدعم بشكل كبير العلاقات السياسية التي أصبحت أكثر تأثرا بالشؤون الاقتصادية؛ وبالتالي تنسيق الجهود الدولية لإعادة الإستقرار لمنطقة الشرق الأوسط وبما يدعم الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز النمو العالمي والحؤول دون حدوث مزيد من الأزمات الإقتصادية المدمرة.