إبراهيم عبدالله العمار
من الصرعات التي مرت علي في صِغَري ما يسمى الوجبات المجمدة، وهي وجبة مكونة مثلاً من دجاج وذرة وبطاطس، كلها مجمدة، تشتريها من السوق ثم تضعها في الميكرويف وإذا بها جاهزة، بلا حاجة للطبخ.
للطفل فإن هذا شيء مبهر: هل يعقل أن وجبة كهذه تنتهي في دقائق بسيطة ليأكلها الطفل بتلذذ وبلا انتظار طويل كما تعود؟
نعم، ممكن! طبعاً لم أدرك وقتها أن هذه الوجبات غير صحية بل ضارة، فهي معبأة بأنواع السكاكر والأملاح والكيميائيات كما هو الحال دائماً في الأكل الأمريكي، ولا أفضل من أن يطبخ الشخص الطعام في بيته، فهو الأنظف والأصح (وإن طال الوقت!)، لكن آنذاك كانت تجربة ممتعة، وكنت أفكر وقتها: من اخترع هذا؟ وفاجأني أن ذلك الطعام المجمد بصورته المعاصرة عموماً اختُرِع منذ زمن بعيد، وذلك قبل قرابة 100 سنة.
كيف؟ هذا زمن يسبق اختراع الميكرويف! لكن يمكن أن نعزو الفضل إلى أمة من الهنود الحمر اسمها «إنويت» (الذين يسمون الإسكيمو) ويعيشون في شمال كندا في منطقة اسمها لابرادور. هم الذين أعطوا الفكرة للمخترع كلارنس بيردساي، وهو عالم أحياء قرر السياحة في تلك المناطق الجليدية شديدة البرودة عام 1913م، فركب الزحلوقة المعروفة التي تجرها كلاب الهاسكي واستمتع بهذه التجربة الجديدة، لكن يبدو أن عقله العلمي لم يتركه يركز فقط على الاستجمام، فلما كان في إحدى رحلاته رأى الإسكيمو يصطادون السمك من تلك البحيرات في درجة حرارة دائماً تحت الصفر، فإذا أخرجوها من الماء تجمدت فوراً واحتفظت بطزاجتها ليس ساعات بل أشهر كاملة. أدهشه هذا، خاصة وأن بعض تلك الأسماك لما أزالوا عنها الثلج ظهر أنها حية!
لما عاد من رحلته عكف يعمل على فكرة تحفظ طزاجة الطعام، فكان أول اختراع له بدائياً، وهو عبارة عن دلو من الثلج ومروحة ودلو من ماء البحر، وكان يجرب هذا في حوض الاستحمام، وطبعاً اشتكت زوجته من رائحة السمك التي ملأت البيت، لكنه أكمل تجاربه التي استمرت فترة طويلة، حتى وصل عام 1923م إلى نظام وضع الطعام في كرتون من الورق المقوى ثم تجميده بسرعة، وفعلاً منع هذا الطعام من أن يَفسد، ولما رأى نجاح أول دفعات أسس شركة تبيع السمك المجمد لقيت رواجاً فائقاً، وهكذا وُلِدت تجارة الطعام المجمد... من سمكة في بحيرة قرب القطب الشمالي.