فوزية الجار الله
للشرفة معنى ظاهر ومعان أخرى تحمل رموزاً وأبعاداً أكثر عمقاً واتساعاً..
في بلادنا العزيزة وفي معظم منازلنا إن لم يكن جميعها لا نستمتع بالشرفة بالمعنى المتعارف عليه التي تسمى في بعض اللهجات (بلكونة أو فرندة) حرف الفاء هنا هو الحرف المخفف الذي يكتب بثلاثة نقط.
أتابع حديثي حول غياب الشرفة في بلادنا وخاصة في مدينة الرياض لأكثر من سبب أولها العادات والتقاليد، وثانيها طبيعة الجو الحار والعواصف الرملية التي تزورنا ما بين الفترة والأخرى وتجعل من هذه الشرفة مصدراً للإزعاج وعدم الراحة ما بين لسعات الشمس وهجمات الغبار لكن للشرفة على مستوى آخر سعادة وأفراح وأناشيد مبهجة وذكريات عذبة. من خلال الشرفة تعرف ما يدور داخل المنزل وبالتالي تصبح هذه الشرفات انعكاساً لطبيعية المجتمع وسلوكياته.
أتذكر بأنني منذ سنوات طويلة زرت القاهرة للمرة الأولى في حياتي برفقة بعض أفراد العائلة، كان ذلك في عهد مبارك وقبل أن تتردى الأوضاع في مصر كما هو الحال قبل تلك الثورة التي أطاحت بالرئيس. حدث ذلك ذات صيف يومها كنت أختنق حزناً وهماً ربما بسبب الطقس حينها وربما لأسباب أخرى لا تخلو الحياة منها، حالما صافحت عيناي الصباح خرجت إلى الشرفة لأطل منها إلى المدينة، كانت الحياة تضج حولي فعلى الجهة اليمنى كان صوت عبدالحليم حافظ يصدح مع الصباح ومن اليسار كان صوت وردة يتردد بأغنية جميلة.. كنا نقطن في حي المهندسين، تأملت من بعيد فأدهشني منظر عجيب لم أر مثله قبلاً، رأيت أكثر من وسيلة مواصلات في وقت واحد التقى فيها القديم والحديث، رأيت قطاراً وسيارة و(حماراً) ومن بعيد كان ثمة طائرة صغيرة أشك الآن في أنها كانت تقف في المطار الدولي، لكن يبدو أنه مطار خاص.
في سوريا أيضاً، وفي أحد المصايف الرائعة التي كانت تحفل بها سوريا، كنا في بدايات سبتمبر وكان الطقس كأجمل ما يكون نهاراً ويميل إلى البرودة ليلاً.. خرجت إلى الشرفة صافحتني رائحة الزعتر والتوت والتفاح القادم من البساتين المقابلة ثم سمعت صوت فيروز، كان السائق المرافق لنا يقوم بتجهيز السيارة وإعداد العدة للرحلة القادمة وقد أدار آلة التسجيل في السيارة على صوت فيروز..
حسب بعض القواميس العربية: شرفة جمع شُرَف، تعني فتحة ثلاثية أو رباعية الشكل تبنى في أعلى القصر كما تبنى في أعالي الأسوار..
وفي اللغة الفرنسية وجدتها تعني (Balcon) وبما أنني لست ضليعة باللغة الفرنسية فلعلي أعود إلى مباهج الشرفة وجمالياتها من خلال مقال قادم بإذن الله.