م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
قال: لقد مررت بمرحلة قاسية.. ما زلت أعيش ثقلها على نفسي وأجد مرارتها على لساني بعدما ذقت ذلها مع غذائي وابتلعت مهانتها مع ابتلاعي لكرامتي كل يوم.. لقد فقدت الإحساس بما حولي مع فقدي لشعوري بعزتي وكياني.. ثم استطرد: يا إلهي.. كم هو كريه ذلك الشعور بالدونية وأنك لا شيء.. ولا تزيد على أن تكون مجرد قطعة متحركة ليس لها حقوق بل عليها واجبات ومسؤوليات لو أخفقت أو قصرت في تحقيقها فالويل لك.. لقد تحولت إلى شخص مذعور يحس أن كل صوت هو صرخة تهديد ووعيد.. ويشعر أن كل ذكر له هو ذكر احتقار تتشظى منها روحه.. ويجزم أن كل نظرة إليه هي نظرة عدو يتطاير منها الشرر.. يا لها من ذكريات مريرة ما زالت تهز وجداني وتقض منامي وتعيث فساداً في حياتي.. أعيش بسببها في دوامة عميقة تكاد تقطع أنفاسي وتخنقني حتى الغرق.
ثم يزيد: كما قلت لك.. لقد كانت تجربة طويلة مخيفة نزفت فيها أحاسيسي ومشاعري وإنسانيتي.. أرهقت عيني بالبكاء ليلاً حينما أختلي بنفسي.. وأوجعت رأسي بالتفكير كيف أنجو بنفسي.. لم يعد لدي كبرياء احتفظ به.. ولم تعد قامتي مستقيمة بل منحنية بذل وخنوع اليائس البائس الكئيب.. ولم يعد لساني طليقاً بل مكبلاً يُرْتج عليه في أبسط أقواله.. ولم تعد يداي ممدودتان بل مغلولتان إلى عنقي.. ولم يعد لدي أفق أنظر إليه بل أفق مسدود ليس وراءه سوى الَفناء.. يا رب متى يأتي الفناء فقد تعبت.
نشأت في بيت صغير مستور الحال.. كان دعاء والديَّ كل يوم أن لا يغير الله علينا.. تربيت على الصلاة والخوف من الله والطمع برحمته من خلال خدمة خلقه ومساعدة الضعفاء من عباده.. كنت وكل جيلي متدينون بالفطرة.. ومع هذا كنت وإياهم نعيش حالة من الشعور بالذنب والتقصير.. فهذا ما يقوله أستاذ المدرسة وإمام المسجد وهو ما كنا نسمعه في الإذاعة.. فنحن دائماً مقصرون تجاه ربنا وتجاه الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله.. كرهت بسببها كل من اختلف عني واعتبرته عدواً يجب محاربته لأنه سبب تخلف أمتي وتأخرها وسبب غضب الله وعقابه لنا.. فهم بالنسبة لي إما علمانيون أو ليبراليون أو باطنيون أو نصارى أو يهود.. باختصار كنت على يقين بأنه من لم يكن على مذهبي وفهمي فهو عدوي.. وأن التطرف في معاداته نوع من التقرب إلى الله.