عبدالعزيز السماري
اتخذت وزارة الصحة قراراً تشريعياً مضمونه تحميل تكاليف المصابين في حوادث السيارات شركات التأمين أو المتسببين في الحوادث، ولفتت الوزارة مديريات الشؤون الصحية بكافة مناطق المملكة ومحافظاتها في تعميم عاجل إلى احتساب تكاليف العلاج كاملة لضحايا الحوادث ومطالبة المتسبب، فإذا كان مؤمناً على سيارته يتم مخاطبة شركة التأمين لدفع التكاليف، وفي حالة لم يكن مؤمناً يتم تحصيل التكاليف من المتسبب وفق تقرير «المرور» الذي يحدد نسبة الخطأ.
وعند غض النظر عن فوضوية أنظمة شركات التأمين في البلاد، سنجد أن ما اتخذته وزارة الصحة يحمل المواطن ما لا يُطاق سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إذا لا يصح أولاً من الناحية الأخلاقية أن تحمل المواطن تكاليف علاج الحالات الطارئة نتيجة الحادث المروري، فالمتعارف عليه في مختلف دول العالم أن الحالات الطارئة تُعالج بدون مقابل، وأن المستشفيات وجدت للمساهمة في تخفيف معاناة الإنسان، وليس لتحصيل الأموال.
كلك من الناحية التشريعية لا يصح للوزارة أن تصدر قراراً تشريعياً لتحميل المتسبب تكاليف علاج المصابين نتيجة للحادث المروري، والسبب أنه لا يوجد في البلاد قانون واضح لتعويضات المتضررين، وإن كنت أتمنى أن يصدر نظاماً تشريعياً من الجهات المخولة لتقنين تحميل المتسببين في الكوارث الإنسانية تكاليف الأضرار على الآخرين، ويدخل في ذلك مختلف القطاعات والأفراد.
ويدخل في ذلك وزارة الصحة إن قصرت في تقديم خدماتها للمواطنين، أو أدى قصور خدماتها إلى تأخير تقديم الخدمة الطبية المناسبة للمريض، ثم كانت نتيجته أن تضرر المرضى بسبب التأخير الطبي، فهل ستتحمل وزارة الصحة تكاليف الأضرار الناتجة أم ستتهرب من مسؤوليتها.
هل ستتحمل عدم توفر الأدوية في بعض مستشفياتها، وهل ستتحمل التعويض المالي عن نقص الخبرات المتخصصة في مستشفياها المركزية في كثير من المجالات، وهل ستتحمل الهدر المالي بسبب التخضم الإداري، وهل ستتحمل التقديرات الحقيقية للأخطاء الطبية.
نتذكر جميعاً قضية الطفلة التي أصيب بداء فيروس الأيدز بسبب نقل دم ملوث، وكان ثمن التعويض 500 ألف ريال سعودي، وهو مبلغ زهيد لحياة طفلة في عمر الزهور، ويذكر الخبر أن المبلغ تم تحميله ممرضين وفنيين في المعمل، بينما الخطأ يُحسب على وزارة الصحة..
لا أعرف لماذا قررت الوزارة أن تحمّل المواطن المتسبب في الحادث المروري تكاليف العلاج، وهل تعتقد الوزارة أن ذلك هو الحل للأزمة المرورية في الشوارع، أم أن الهدف هو تحصيل الأموال، ولكن ذلك حتماً ليس من مهمات الوزارة الخدمية!
أدرك جيداً سخونة كرسي معالي وزير الصحة، وربما يفسر ذلك الخروج غير النظامي من مهمتها الرئيسية، فساعة تريد منع الاختلاط في المستشفيات، وفي يوم آخر تخرج لنا بقرار تشريعي لا أخلاقي من الناحية الإنسانية أو الطبية، وهي فرض تكاليف قد تصل إلى خانة الملايين على مواطن أو مقيم قدّر له أن يكون سبباً في حادث مروع.
نحتاج إلى ضبط الفوضى التشريعية في البلاد، فما يحدث غير صحي، ويزيد من القلق والتوتر في المجتمع، ونحن في هذه الأزمة في حاجة ماسة لهيئة تشريعية ممثلة من مختلف القطاعات والفئات، من أجل مهمة سن القوانين والتشريعات ثم إقرارها من أعلى سلطة، ومنع الجهات التنفيذية من إقرار التشريعات أو تحصيل الأموال من المواطنين بدون وجه حق.