من خلال متابعتي لصحيفة الجزيرة، وتعليقاً على ما يُنشر عن دورات تطوير الذات، فلقد دار نقاش في أحد المجالس حول التشجيع وعلاقته بتطوير الذات، فكان أحدهم يقول: يا أخي ذبحتمونا بالتشجيع وقصص النجاح، أنتم تصورون لنا أنه لابد أن يكون لنا طموح عالمي وأحلام فوق السحاب، وأن نغير العالم والكون وغيرها من تلك الكلمات المنمقة، كل هذا بالنسبة لي أحلام عصافير ونفخ في الهواء!.
يا أخي: أنا حلمي بسيط لا أريد أن أصبح عالماً ولا أديباً ولا حتى مهندساً و لا طبيباً، أريد وظيفة وبيت والستر فقط، فهل في ذلك خطأ أو عيب؟ قلت: اتفق معك، فليس كل الناس يريدون ذلك، بل البعض يريد أن يقوم بأعمال روتينية وحياة هادئة والسلام.
انفض المجلس ولكن ظللت مشغول البال، ما الذي يمكن أن تقدمه هذه الشريحة من المجتمع بأقل جهد وعناء؟!، لأننا لا نريد أن نخسر أي شريحة في المجتمع، فكل له دوره من رأس الهرم إلى قاعدته.
لا شك أننا نتفق معه قد لا يكون حلمه بأن يكون من ضمن طبقة النخبة والتغيير، ولا من ضمن الطبقة البرجوازية أو الوسطى، ولكن هناك أداور أخرى في الحياة لا أعتقد أنها تكلف ذلك الجهد الثمين. أي واحد منا قد يكون مثلاً أباً أو أماً أو عماً وخالاً أو قريباً لأحد الأطفال، كل ما علينا فعله هو التشجيع مع قليل من المتابعة من وقت إلى آخر، نحن لا نطالب الآن ببذل الغالي والنفيس، بل التشجيع مع قليل من الجهد والهدايا المناسبة.
أذا كان الطفل يحب الرسم مثلاً فقل له: هذه من أجمل اللوحات التي رأيت، ولو استطعت أن تشتري منه اللوحة فافعل! أشعره بأن أعماله لها قيمة مادية ومعنوية، وربما تكون الأقلام الملونة وأدوات الرسم هي الهدية المناسبة له أو زيارة المعارض الفنية. وإذا كان الطفل يحب العمل اليدوي فاشتر له ألعاب الفك والتركيب وما شابهها، وواظب على ذلك من وقت إلى آخر، فالطفل سوف ينتظر رؤيتك بشوق ولهفة لأنك تفهم ما يريد. عندما بلغ اينشتاين سن الرابعة أهداه والده بوصلة جعلته يتساءل عن قوانين الكون، وأهداه عمه كتاباً في الهندسة فأنارت له الطريق. وأهدي إلى أديسون وهو صغير كتاب في العلوم به بعض التجارب العملية، فاعتبره كنزاً دفيناً لا يقدر بثمن. قد لا يكون من أحلامك ولا من أهدافك أن تكون ذا بصمة ظاهرة في المجتمع، ولكن بقليل من الجهد والعطاء الذي لا يكلفك ذلك المشقة والتعب قد تصنع عالماً أو مفكراً أو أديباً، بل ربما تصنع تاريخاً جديداً بكلمة وأنت لا تعلم، لم يكن شيخ البخاري يعلم أن كلمته: وددت لو أن أحداً جمع الصحيح في كتاب قد أثرت في نفس البخاري وألهمته أن يكتب كتاباً يصمد شامخاً عبر التاريخ، فصار لذلك الشيخ الفضل بعد الله.
أحمد البارقي - الرياض