رمضان جريدي العنزي
البشت عبارة عن عباءة رجالية يرتديها الرجل فوق ثيابه في المناسبات العامة والخاصة، تنقسم البشوت إلى نوعين: الصيفية ذات غزل ناعم وملمس طري وعادة ما تكون غالية الثمن حسب نوعها وجودتها وحياكتها، والشتوية وهي من الخيوط الخشنة كالوبر ولا تكون عادة بنفس الدقة والأناقة المطلوبة كالبشوت الصيفية الناعمة، التي تمتاز بالزي العريض على جوانبه وغالبا ما يلبسه أصحاب الوجاهة، أو المقلدين لهم، أو الذين يحبون الترزز والبروز وفلاشات التصوير، طبعا هناك بعض الأشخاص لا يستحقون أن يرتدوا أياً من هذين النوعين للبشوت نظرا لرداءة وضعف ووهن ما قدموه للحياة والوطن والمجتمع، سوى «الهياط» العالي والحرفية التامة والمهارة المتقنة والمهنية الراقية في لبس المشالح والتفنن في ارتدائها وطيها وكيفية وضعها على ساعد اليد، مع سبحة ملونة ذات هدب وإن كانت رخيصة الثمن والمادة، ورائحة عطر فرنسي مقلد، أو كمبودي رخيص، إن هؤلاء الأشخاص الذين ابتلى فيهم الناس والوطن ينقصهم أشياء كثيرة وعديدة ومتنوعة ومختلفة، ويحتاجون إلى إعادة تأهيل تام وتدريب وتعليم في كيفية التعامل مع الناس والحياة والمتغيرات وإفادة الوطن، هؤلاء ليس لهم هم ولا ابتغاء سوى المجامله أو الطبطبة أو الإشادة الجوفاء أو قصائد المدح الباهتة أو الكثافة في حضور المناسبات والأعراس، فالعمل المفيد والإنتاج والإبداع والابتكار وتقديم ما يفيد المجتمع والوطن لا يحركون لهما ساكن، سوى التصاريح الصفراء، والتعقيبات البلهاء، والمكيجة الرديئة، والتلون السيئ، والمراوغة غير الذكية، والتنافس الذي يضر ولا يفيد، والأشياء التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تمنح المجتمع والوطن سوى التقهقر، هم مثل كهوف حجرية صلدة، أو خرائب، أو بعض آثار، وقد مر عليها الزمن بمناخه وطقوسه وعوامل التعرية حتى تحولت إلى مزارات للسياحة والفرجة والمتعة، لا شيء يحاولون تبديلة في أنفسهم، أو تغييره، هم مجرد هياكل أسمنتية يلفها الجمود، أنهم مثل غيمة رمادية كثيفة فيها رعد وبرق وريح وليس فيها مطر، لا مائهم ماء، ولا طعامهم شهي، هم مجرد هم وسقم على القلب والصدر والجسد، أعمالهم مثل صفير في خلاء فسيح، وتجارتهم ليست رابحة، سلاحف عتيقة أضناها الدهر والتعب حتى شاح وجهها وهرمت، لا شيء لديهم البتة، حتى طموحهم مال وإنثنى، ليس لهم صناديق تفاح ولا برتقال ولا سوسنة أو نورس، هم يحاولون أن يكونوا فارهين كالذهب، لكنهم مصابونالإعياء، لقد أثقلهم الهياط والمجاملة والتملق والرياء، حتى غدوا لا يعرفون كيف يقرؤون الناس السلام، ولا كيف يهدون الحياة البياض، يحملون بعض الأناشيد، ونص بليد، ورواية عتيقة، وبعض حداء، لا يعرفون كيف يستهوون القلب، ولا كيف يغمرون الوجدان، مفعمين بالوهم والأسى، لا هم ثرى ولا ثريا ولا ترياق، محمومين بطقوسهم الخاصة، لا يعرفون الاختيار ولا معادلة الإبداع ولا التوغل في التحدي والابتكار، لا عندهم كروم عنب، ولا سوسنات تزهو بالحلم والعطاء، العشب عندهم في نهار الربيع لا يراقص الندى، نائمين منذ أمد يدوسون في الرمل نبت الارتباك، وطعم الملوحة ولون الغرق، خيولهم تكبو في مضمارها قبل السبق، يبشرون بالفجر قبل طلوعه، لكن فجرهم لا يجيء، أعمالهم معلوله، ونتائجهم بها عرج، مهوسون بالكلام، يحاولون أن يركبوا بساط الريح، ليسافروا بين التخوم ومملكة الشخير وأساطير الأولين، كلامهم لين، وفعلهم هش، لهم صخب وضجيج مجرد، أنهم مثل المزمار يواصل صناعة الألحان والأنغام، لكن له رتابة مملة، ولحن كئيب.