فيصل خالد الخديدي
الإدارة علم قائم بذاته وتدخل في جميع مناحي الحياة وهي فن إدارة جهود الآخرين في أبسط مستوياتها, وتعرف (الإدارة بأنها عملية تقوم على التخطيط والتنظيم والتنسيق والتوجيه والرقابة على الموارد المادية والبشرية للوصول إلى أفضل النتائج بأقصر الطرق وأقل التكاليف المادية), وفي كل مجال تدخل الإدارة فيه لابد أن يكون من يتولى مهام القيادة على قدر كبير من المعرفة بالإدارة وعلمها ونظرياتها الحديثة، والتي أصبحت علماً احترافياً قائماً بذاته وله العديد من مذاهبه وأشكاله ومجالاته, وبعض النظريات الإدارية الحديثة ترى أن الأطر الإدارية تقسم إلى ثلاثة مجالات جوهرية : الاستراتيجية، والبنية، والقيادة، فالاستراتيجية هي قدرة المؤسسة على امتلاك توجه واضح وشخصية واضحة المعالم والرؤية والأهداف، وتُرى البنية على أنها القدرة على إسناد السلطة في المؤسسة وفق آليات توزيع وتقسيم العمل، أما القيادة فتأتي بمعنى أشمل ومنه المسئولية الشخصية في إطار عملية صنع القرار داخل الإدارة وكيف تصل هذه المسئولية لما يطمح إليه العاملون من دافعية ووسائل سواء مادية أو بنى تحتية أو مالية وتسويقية.
وفي الإدارات الثقافية يحتاج الأمر بالإضافة إلى القدرة الإدارية والقيادية إلى المعرفة الشاملة بتاريخ الفن والحراك الثقافي وكيف يكون تحقيق مفهوم الثقافة بأنها ما ينتجه البشر لا ما يرثونه، وكيفية الإفادة من مجموع النشاط الفكري والفني وما يتصل بهما من مهارات ووسائل وقيم والتزامات أخلاقية وطرق التفكير والإبداع الجمالي والفني وإدارته والتسويق لها وعمل شبكة علاقات تسويقية للمنتج الثقافي وتقديمه بشكل لا يخل به من النواحي الثقافية ويصل لرضى المستفيدين دون إخلال ولا إسفاف، بل إن الإدارة الثقافية الواعية والتسويقية الناجحة هي التي تشكل التوجه الثقافي وتسير الطلب على المنجز الثقافي بجودة عروضها وتقديمها, وهو ما يتطلب جهداً أكبر في إعداد القيادات الثقافية سواء في المؤسسات الحكومية أو المشاريع الخاصة من الناحية الإدارية والقيادية والتسويقية والثقافية والتوجهات العالمية الحديثة في المجال الثقافي وفي الإدارة والتسويق.
والأمر لا يختلف كثيراً في الفنون التشكيلية وإدارة مؤسساتها ومشاريعها، وليس بالضرورة نجاح الفنان مع فنه وأدواته وإدارته لنفسه وفنه أن يكون ناجحاً في قيادة مؤسسة فنية أو مشروع تشكيلي وحتى لو كان مشروعه الخاص، فالفنان الهولندي رمبرانت فنان مبدع ومتمكن من فنه وعلامة بارزة في الفنون التشكيلية عالمياً، ولكنه لم يكن ناجحاً في مجال الأعمال والشؤون المالية والتسويقية على الرغم من أنه كان مالكاً لقاعة عرض وتاجراً للفنون ورئيساً لأكاديمية خاصة إلا أنه وصل حد الإفلاس بسبب ضعف قدرته القيادية والتسويقية وليس بسبب فشله فنياً أو بسبب كساد سوق المال في حينه, فمجايله الفنان الأقل حضوراً فنياً منه (بيتر باولو روبنز) كان لديه أستوديو مميز التنظيم استطاع من خلال إدارته تنظيم شبكة جيدة من العلاقات مع مسوقي الفن ومقتني الأعمال واكتسب ثقتهم.