خالد بن حمد المالك
يعرف الجميع أن الصين تعتمد في جزء من صناعاتها على النفط السعودي، إذ إنها تستورد ما يمثِّل خمس احتياجاتها من البترول من المملكة، وهو ما يمكن اعتباره مفتاح الشراكة الحقيقية بين بلدينا، غير أن الصين بمثل ما تحتاج إلى النفط السعودي، وإلى أسواقنا لتصدير الكثير من منتجاتها الصناعية إلى بلادنا، فإن المملكة هي الأخرى تحتاج إلى جمهورية الصين الشعبية لبيع نفطها في سوق استهلاكي كبير وسط منافسة شديدة مع الدول الأخرى المنتجة للنفط، وإلى صداقتها في بناء سياسة إستراتيجية للتعاون البناء سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
* *
وإذ يزور ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان الصين بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فهو إنما يزور بكين لاستكمال التوافق في الرؤى بشأن ما تبقى في الملفات من موضوعات حملها الأمير معه وآن الأوان لفتحها وبحثها والاتفاق عليها، وهو ما تم فعلاً في زيارة الأمير، حيث أُبرم عددٌ من الاتفاقيات التي ينتظر أن تلعب أدوراً مهمة في ترجمة العلاقات الثنائية إلى إنجازات على الأرض في المستقبل القريب.
* *
وتأتي زيارة الأمير إلى بكين، وتكتسب أهميتها، كونها وُقِّتَ لها والمملكة تمر بمرحلة انتقالية مهمة، إثر الإعلان عن الرؤية السعودية 2030 وما انبثق عنها من برنامج للتحول الوطني 2020، وهي خطوة متقدِّمة لرسم مستقبل المملكة، كما أنها بوابة فُتحت للدول والشركات الأجنبية كي تستثمر في السوق السعودي الواعد في مختلف المجالات، ضمن إستراتيجية تضمن تقديم التسهيلات المشجعة والمحفزة لدخول رؤوس الأموال الأجنبية للمشاركة في برامج التنمية والتصنيع وجميع ما تحمله الرؤية السعودية من برامج أخرى، سواء كان هذا الاستثمار للمشاركة مع رأس المال السعودي، أو بالاستثمار المنفرد ضمن الضوابط والضمانات التي تجعل من المستثمر الأجنبي يدخل إلى أسواقنا، ويشارك في برامجها، وهو على ثقة بأن له مصلحة كبيرة في ذلك.
* *
ومن المؤكّد أن جمهورية الصين الشعبية، كانت ضمن الدول المستهدفة في إتاحة الفرصة لها للاستثمار بالمملكة، كونها دولةً كبيرةً اقتصادياً وصناعياً، ولديها قدرة مالية عالية، إن في القطاع الحكومي أو الخاص، كي تستثمر هذه الفرصة في وضع مشاركاتها موضع التنفيذ في بعض الخيارات التي تناسبها مما تتيحه رؤية المملكة للمستثمرين الأجانب، والأهم أن مثل هذه الشراكة بين دولتين كالصين والمملكة، يمكن أن تكون دافعاً إلى استكمال الشراكة على النحو الذي تستفيد كل دولة من هذه الفرص المتاحة في فترة يغلب عليها ركود الاقتصاد العالمي، وأن مثل هذه الفرص إنما تساعد على تحريك الجانب الاقتصادي والاستثماري بين الدولتين.
* *
الأمير محمد بن سلمان، منذ الإعلان عن الرؤية، وهو على تواصل مع الدول الكبرى، ويصطحب معه في زياراته مجموعة من الوزراء المعنيين في الرؤية، وبفرص الاستثمار فيها كما هو في هذه الزيارة، شارحاً للمسؤولين في الدول التي يزورها آفاق هذه الرؤية، وما تمثّله للمملكة وللدول التي يزورها من أهمية في خلق مجالات للتعاون، وفرص للاستثمار، ومناخاتٍ للتقارب في السياسات، وأعمال مشتركة تقود إلى تنميتها سنة بعد أخرى، وصولاً إلى الكمال الذي تنشده كل الأطراف، وبذلك فإن زيارة الأمير للصين هي في قراءةٍ سريعة، تأتي لجعل العلاقة الثنائية على هذا النحو في توجهها ومسارها وآفاق تعاونها.
* *
ولعل المؤشر الذي يُقاس به نجاحات الأمير في زيارته للصين، ما تم توقيعه من اتفاقيات، وأهمية ذلك تكمن في تنوّع اختصاصاتها، وشموليتها في كثير مما يهم المملكة أن يأتي من يستثمر بها ويشارك في مخرجات الرؤية، بما يجعلنا بالفعل لا نعتمد فقط على النفط كسلعة وحيدة لا نستطيع بدونها أن نضمن لنا وللأجيال القادمة الدخل المادي الجيد والعمل المناسب والتطور المنشود، ما يجعل المواطن يحافظ على ابتسامته، ولا يشعر بالقلق مع أي تقلبات في أسعار النفط.