الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
لا ينكف أهل الزّيغ والضلال من بث سمومهم وشرورهم على الآمنين المطمئنّين، وما فتئت الفئات الضالة المضلة المنحرفة تقوم بأعمال وحشية تتمثل في القتل والتدمير والتفجير مدّعية انتسابها للإسلام وهم أبعد الناس عن ذلك. لأنّ الإسلام بعيد كلّ البعد عن العنف والتطرّف والإرهاب وهو دين السلم والسلام، ودين الرحمة والرأفة، ودين التسامح والخير، ودين الوسطية والاعتدال.
وعلى الرغم من ذلك تبقى التساؤلات قائمة عن واجب الأمة لتطهير مجتمعاتها من هذا الفساد ومحاربته والقضاء عليه.
« الجزيرة « استضافت عدداً من أصحاب الفضيلة في مختلف التخصصات الشرعية ليتحدّثوا عن هذه الجوانب.. فماذا قالوا؟!
الفهم السقيم
بدايةً يوضّح د. نايف بن عمار آل وقيان الدوسري أستاذ الفقه وأصوله المشارك بجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز أنّ أمّة الإسلام ابتليت منذ الصدر الأول بفئة من داخلها تقوضُ بنيانها وتهدم أركانها وتضعف كيانها منطلقين من حرصهم على الإسلام ونصرة الدين مدعين فهم النصوص وهم والله اللصوص.
ففهم السقيم قادهم لسفك الدماء وتخريب الديار وتكفير العباد وهذا الفهم راجع لعدم رجوعهم لعلماء الإسلام المعتبرين الذين هم المرجع لفهم الكتاب والسنة يتعاملون مع النصوص وفق قواعد أصول الفقه ومقاصد الشرع التي يعز فهمها على مثل هؤلاء الأغرار.
وهذا الفكر التكفيري التفجيري التخريبي شوهّ الإسلام وبرر للأعداء النيل من الإسلام والمسلمين، وسوّغ لهم التدخل في شؤونهم.
إن الواجب على المسلمين أفرادا وجماعات حكاما ومحكومين بذل كل الوسائل والسبل لمحاربة هذا الفكر ولعلي أسهم ببعض الأسباب التي قد تكون سببا لتطهير مجتمعاتنا من هذا السرطان الفكري الخبيث ويمكن تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأول: راجع للدولة والثاني للأفراد:
فالدولة واجب عليها محاربته أمنياً وفكرياً، والوسائل الأمنية تبذل فيها الدولة جهدا كبيرا وهذا أمر ظاهر ومشاهد، لكن الجانب الفكري ليس محصوراً على مراكز المناصحة التي لاشك بأهميتها ونضج نتائجها بحمد الله كما هو مشاهد مما تبذله وزارة الداخلية.
لكن أجهزة الدولة الأخرى معنية بهذا وعلى رأسها وزارة الثقافة الإعلام بكل وسائلها وهذا الجهاز له تأثيره البالغ لكن من وجهة نظري ما زال إعلامنا مقصراً ومتأخراً وإن بذل بعض الشيء إلا أنه يفقد الإبداع والابتكار في الوصول للشباب الذي أثر عليه الإعلام الموازي المتمثل بوسائل التواصل الاجتماعي فأرى أنه هو الوسيلة القوية التي نخرت في عقول من ينتسب لهذا الفكر والشواهد كثيرة جداً.
كما أن التقليل من شأن العلماء عبر وسائل الإعلام يفقد المصداقية فيهم فيبحث عن غيرهم ممن ليس له حظ من العلم. ومن أجهزة الدولة التي يجب تفعيلها بشكل أكبر وزارة الشؤون الإسلامية فما زال عملها متواضعاً جداً.
والدولة وفقها الله تبذل جهداً كبيراً لمحاربة هذا الفكر لكن أقترح تشكيل هيئة أو مركزاً فكرياً برؤية وإستراتيجة واضحة وميزانية مخصصة لوضع الدراسات الاحصائية ورصد الأسباب والدوافع ويتكون من المختصين في كل المجالات ذات العلاقة.
أما على مستوى الأفراد:
فيبدأ أولا بالأب والأم فالأسرة هي الخطوة الأولى من خطوات العلاج الوقائي، وذلك بحثه على الالتزام بالصلاة وسائر العبادات، وغرس احترام العلماء وولي الأمر وعدم ذكر شيء من مثالبهم.والدعاة والمربين وعلماء الشريعة والنفس والاجتماع كل منهم جزء من العلاج.ومن الجهود الفردية في المجالس العامة بين الأقارب وفي المناسبات يبين خطر مثل هؤلاء. كذلك من الجهود الفردية في عصر التقنية اليوم كل منا أصبح إعلامياً عبر الأجهزة الهاتفية الذكية.
وغير ذلك من الوسائل التي تساعد على محاربة هذا الفكر الضال.
المارقون من الدين
ويؤكّد الدكتور عبد الله بن محمد الجار الله رئيس الهيئة الإشرافية للمركز الخيري لتعليم القرآن وعلومه بالمدينة النبوية لقد أثبت هؤلاء المارقون من الدين - الذين قاموا بالجرائم النكراء في بلاد الحرمين الشريفين - الخارجون على كل الشرائع والأنظمة والقوانين، والذين يفعلون ما يفعلون من هذه العمليات المروعة بأنهم ليس لهم ارتباط بشريعة أو ملة أو دين، إنما هي غواية الشيطان، وسفاهة الأحلام، وأفكار ضالة منحرفة نابعة من حقد دفين وفهم سقيم، حتى صدق فيهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (يأتي آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام...الخ). مشيراً إلى أنّ الجريمة النكراء بكل تفاصيلها؛ والتي وقعت مؤخراً في المدينة المنورة فيها معاني الغدر والخيانة على الأبرياء، حيث استشهد بسببها ثلة من رجال الأمن كانوا يستعدون للإفطار بعد يوم حارٍّ مشمس وطويل من الحراسات والمرابطة في تأمين أمن المسجد النبوي، وتأمين أمن رواده وزواره والمصلين فيه، كما أن في هذه الجريمة المروعة إدخال الرعب وتخويف الآمنين، فكيف إذا كان هؤلاء الآمنون هم رواد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعتكفون فيه - من كل أنحاء الدنيا - والذين كانوا في تلك اللحظة التي حصل فيها الغدر والتفجير في كامل حضورهم؛ تلهج ألسنتهم بالذكر والتسبيح، مرتفعة أيديهم إلى الله - جل وعلا - بالطلب والدعاء.
وأضاف د. الجارالله إن واقعة التفجير في المدينة النبوية، وما حصل قبلها من وقائع قتل الأباء والأمهات والأقارب وغيرها من الحوادث الإرهابية المروعة تدل دلالة واضحة بأنه أصبح لزاماً على الأسرة في المقام الأول، ثم على كل من ولاه أمر المسلمين من العلماء والأمراء والدعاة والأئمة والمدرسين وأساتذة الجامعة والخطباء أن يقوموا بواجبهم في مواجهة هذا الفكر المنحرف قبل أن يتحول إلى وباء لا يمكن معه الدواء.
سجال وحماس
ويبيّن الشيخ سعد بن عبدالله السعدان المرشد الدّيني بوزارة الدفاع أنّ مشكلتنا بأنّه ليس لدينا إلا ردود أفعال إذا وقعت حادثة بدأ السجال والحماس وكل يرمي بسبب أو بأسباب نتيجة لما يحمله هذا أو ذاك من فكر معين! والنتيجة سلبية جداً. وهكذا ليس هناك عمل مؤسسي يضم كافة المتخصصين على غرار مراكز دولية تبنى رؤية الدول من خلال ما تقدمه تلك المراكز من دراسات وتوصيات فنحتاج لعمل جاد وعاجل فعال.
ومن ناحية أخرى أرى أننا نحتاج لإعادة هيكلة وبناء إعلام منضبط يعيش واقع أمته ومجتمعه بشمول وليس بنظرة آحادية في الطرح ويجيد التفاعل الهادف لعلاج تلك الظواهر الخطيرة وغيرها من خلال الرؤية الشاملة للمتخصصين بعيداً عن الحماسة والتجني وإلقاء التهم يمنة, ويسرة ويجب البعد عن تبني رؤية هي محل نظر لشيخ أو إعلامي أو صحفي غير متخصص كل صحيفة أو قناة يستضاف في كل شيء! فيسطح القضية.
أشدّ الإفساد
ويقول الشيخ خالد بن حمد الخريف باحث الدكتوراه في المعهد العالي للقضاء إن ديننا الإسلامي دين الرحمة والألفة والمحبة والاجتماع دين يدعوا إلى كل خلق كريم وينهى عن سفاسف الأخلاق دين العدل دين الرحمة ولذلك أمر بالإحسان إلى جميع الخلق حتى الحيوان أمر بالإحسان إليه ونهى عن إيذائه وحرم على الناس دماءهم وأموالهم وأعراضهم وحرم قتل الأنفس بغير حق بل نهى عن ترويع المسلم فكيف بقتله قال - صلى الله عليه وسلم -: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».
فكيف بمن يفجر ويقتل نفسه ويقتل الأبرياء ويروعهم لا شك أن هذا من أشد الإفساد في الأرض قال تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (205) سورة البقرة.
فبأي دين تقتل الأنفس المعصومة وبأي دين تروع وبأي دين تفجر المباني والمصالح العامة إنه والله من أشد الظلم والفساد في الأرض بمكان. فيجب على الأمة الإسلامية أن ترفض هذا الفساد وأن تتعاون في محاربته والقضاء عليه ومن أعظم ما يحارب به بيان أن الإسلام بريء منه كل البراءة وإنما هو من عمل المفسدين في الأرض الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون نسأل الله العظيم أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل عابث وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم إنه ولي ذلك والقادر عليه.