علي الخزيم
للعرب حضارة وتاريخ موثق تحدثت به الثقافات الأخرى وأخذت وتعلمت منه الكثير فيما يعرف بتلاقح الثقافات، رجالات سلالات العرب - وإن كفر بعضهم بالإسلام دين محمد - فإنّ لهم تاريخ ودور مؤثر في مجتمعهم، الجاهلية تعني ضلالهم عن توحيد الله، وليس جهلهم بكافة شؤون الحياة فآثار حضارتهم تشهد بذلك، والكلام بهذا الشأن ليس عبثاً وتسلية ومما لا يفيد، فمن سيرهم نتعظ ونقتبس ونترسم الخطى، إن كان زعيم منهم أدرك الدعوة ورفض اتباع محمد رسول الهدى, فالله سبحانه سيحاسبه على ضلاله عن شهادة التوحيد لله، إلا أن التاريخ يتحدث عن مكانته في قومه وموقعه العالي في عشيرته، وما لرأيه من تقدير وما لحضوره من مهابه، لا نُوَادّه لكفره غير أن الموقف هذا لا يُصادر خصاله وسجاياه العربية الأصيلة، وكل ما قاده كفره بمحمد إليه سيلقى الله وهو يحمل أوزاره.
عن رجالات العرب اقرأ (مثلاً) عن الأسود بن عمرو بن كلثوم كان سَيّد قومه كما كان أبيه وبلغ من العز مَبلغاً عظيماً وجمع مع ذلك إجادة الشعر والفروسية، وعن ربيعة بن مكدم من بني فراس بن غنم؛ فارس هُمَام وبطل مِقْدام، يُعدّ في صدارة شجعان العرب ومقدِّمة فُرسانهم، والوليد ين المغيرة بن مخزوم، من أشراف قريش وزعمائها قبل الإسلام، وصاحب الرأي والمشورة فيهم، واعرف عن: العاص بن وائل السهمي سيد بني سهم يلتقي نسبه مع النبي محمد بكعب بن لؤي، كما أنّه والد الصحابيين عمرو بن العاص وهشام بن العاص، وتتبع سيرة الهمام: أميّة بن أبي الصلت، وزيد بن عمرو بن نفيل.
عندما كتب ودوّن المؤرخون عن الانتصارات على أعداء الرسالة جاء التعبير بأنّ أصحاب رسولنا المصطفى رضوان الله عليهم جندلوا رؤوس الصناديد (المقاديم الشجعان) واستخدموا عبارات وجملا تدل على مكانتهم الفروسية القتالية وبطولتهم في اقتحام الصفوف، إلا أن النصر بتلك الوقائع كان بتوفيق الله حليف المسلمين، فحينما يصفهم المؤرخون بالصناديد فإنهم يثبتون لهم تلك المكانة، وحين يتحدث المؤرخ عن الجوانب الدينية والدعوة المحمدية التي أشرقت أنوارها آنذاك ولم تزل؛ فبمرور اسم أحد رجالات مكة ومن حولها ممن وصفهم في مواقف الحرب بالصناديد، فإنه ينعتهم هنا بأوصاف توغر صدور المُتلقي بكرههم واستخزان ما يُثبت العداوة لهم، نعم هم كفروا بدعوة محمد ومن مات كافراً فعند الله جزاؤه الذي توعدهم به بكتابه العزيز، لكن لم يرد بالقرآن ما ينكر ما للكثيرين منهم من مكانة وقدر دنيوي بمجتمعهم، بل إن بالقرآن ما يؤكد ذلك، سورة (المدثر) تحدثت عن شأن الوليد ين المغيرة المادي والاجتماعي، وعن تكذيبه لما جاء به المصطفى، وعن الوعيد الشديد له بالآخرة، وفي العاص بن وائل خامس (المستهزئين) بالنبي نزلت آيات بسور من القرآن الكريم.
في أمور الدين والسنة والدعوة المحمدية نقف بوجوههم منافحين عن مبادئنا الإسلامية السمحة، ولا تناقض إن نحن تناقلنا فكرهم بالفروسية والشعر والحكمة وسجايا العرب الحميدة.