ناصر الصِرامي
ما أكثر الأوراق التي نوقعها.. ويحدث أن نوقع رزمة من الأوراق خلال فتح حساب بنكي أو الحصول على قرض، وعند طلب بطاقة ائتمانية، ونوقع على رزمة أخرى لوثائق التأمين... إلخ.
لكن الحقيقة التي نتداولها بسخرية أننا لا نعرف محتوياتها، أو على ماذا نوقع بالتفصيل، لكننا في الوقت ذاته، نعرف أننا سلمنا الكثير من حريتنا المالية، وأكثر منه التزامنا لهذا البنك أو تلك الشركة أو المؤسسة، وأصبحنا مقيدين بشروطها «الخبيثة»، التي صاغها محامون وقانونيون ماكرون جداً،لم يدعوا شاردة أو واردة تمر عبثاً، فقد وضعوا شياطينهم في أدق التفاصيل، التي يمكنها أن تجبرنا على الاستسلام والتسليم عند الحاجة، وتحمي بشكل مطلق حقوق البنك أو الشركة بشكل كامل، لا يرحم المغفلين أو المستغفلين أو المستضعفين وحتى المحنكين..!.
أسوأ من ذلك يحدث اليوم عند الحصول على تطبيق أو جهاز أو برنامج، عند تحميله والحصول عليها تأتيك صفحات لشروط الاستخدام والخصوصية!، لا نملك إلا أن نتجاهلها من أجل الحصول على هذا التطبيق أو ذاك، إما أن نوافق أو نلغي البرنامج ونحرم من تحميله واستخدامه، وفي الغالب الأعم، إن لم يكن دائماً، نقوم بالموافقة على شروط الاستخدام دون أن ندرك محتواها، أو لا نهتم كثيراً لهذا المحتوى وتفاصيله..!.
ثم تأتي مرحلة أكثر تعقيداً و»خبث»، عند وصول تحديثات جديدة لهذا التطبيق أو ذاك البرنامج، حيث نقوم بالموافقة على شروط الاستخدام المطورة، والتي هي في الحقيقة أكثر حداثة في الدخول إلى المزيد من تفاصيلنا اليومية، ومعلوماتنا الخاصة، شروط خالية تماماً من الخصوصية التي نعتقدها أو قد نفكر فيها.
لنأخذ مثالاً الآن في أقرب البرامج والتطبيقات لخصوصيتنا، وأكثرها التصاقاً بنا في بيئة العمل والعائلة والأصدقاء، «واتس اب»، والذي استحوذت عليها فيسبوك عام 2014، بعد نحو عامين من الاستحواذ والذي بلغت قيمته 20 مليار دولار، تعمل شركة «فيسبوك» أن تتوافق الخدمتين وأن ترتبطا بقوة، وهي أبرز ملامح التحديث التالي، طبعاً يمكنك رفض تحديث «واتس اب».. لكن هل ستغعل ذلك..؟!.
معلومات «واتس اب» التي يريد «فايسبوك» استخدامها مستقبلاً «بحذر»-كما يقول وتقول كل التطبيقات!-، تشمل أرقام هواتف مستخدمي تطبيق «واتس اب» ومعلومات حول الزمن الذي كان فيه الشخص يستخدم هذه الخدمة وشبكة علاقته الهاتفية.
هدف فيسبوك الإعلانات، وبالتالي تقديم إعلانات موجهة لك ولاهتماماتك واهتمامات زملائك في العمل، واهتمامات أصدقائك، بل وما يتوافق مع اهتمام كل شخص مضاف رقمه في هاتفك المحمول!، «واتس اب»سيفتح علاقة اتصال بين مستخدميه والشركات التجارية، بحيث تشمل معلومات شراء البضائع ومواعيد التوصيل، والمستندات المالية الخاصة بذلك، ومعلومات عن حالة رحلات الطيران... إلخ.
بل وسيقوم إلى إدراج خدمة إنستغرام المتخصص بالصور والفيديو، ليتمكن مستخدمي «الفيسبوك» من متابعة الصور والفيديو عبر «إنستغرام». والمعلومات الوحيدة التي قد يحميها التحديث التالي الاسم الشخصي وصورة الملف الشخصي..!.
سيصلنا التحديث الجديد، ولن نملك إلا ان نوافق كما اعتدنا أن نوقع، لنسلم قلعة ربما هي الاخيرة من خصوصيتنا لهذه التطبيقات والبرمجيات التي لم نعد نستطيع أن نتخيل حياتنا اليوم بدونها.
قد يسأل البعض ما العمل..؟
الحقيقة أنه لا يمكنك عمل أي شيء.. إما أن تكون متصلاً بفعالية، لكن بأقل درجة من الخصوصية والحقوق التي قد تتخيلها، أو تكون أقل اتصالات بهذه التطبيقات و... لكن حتى هذا لن يحمى خصوصيتك إطلاقاً.. فالتطبيقات تتنافس في النهاية للحصول على أكبر قدر من المعلومات عن البشر في هذا الكوكب..!.