محمد سليمان العنقري
يلاحَظ منذ أسابيع تناقل العديد من الصحف أخبارًا توصف بالحصرية لها على لسان مسؤولين من الجهاز التنفيذي لصندوق التنمية العقاري، وبعضها دون تحديد اسم من يصرح لهم، ويتم من خلالها نقل بعض توجهات الصندوق القادمة كنوع من التمهيد للتغيير الجذري الذي سيحدث بآليات عمل الصندوق، ودوره مستقبلاً على الرغم من أن سؤال من هم على قوائم الانتظار ينحصر بـ»متى تبدؤون بإصدار الموافقات على الطلبات التي توقفت منذ أكثر من عام؟».
فقبل أيام نقلت صحيفة «الاقتصادية» تصريحًا لمسؤول بالصندوق - فضّل عدم ذكر اسمه - بأن الصندوق سيتجه لإقراض ذوي الدخل المحدود، نافيًا الإيقاف بشكل كامل لقروض الأفراد كما يتردد. حقيقة، لم نسمع أن الصندوق يتجه لإيقاف الإقراض بشكل كامل؛ لأنه بهذه الحالة ليس لوجوده مبرر؛ كون عمله الأساسي إقراض الأفراد لتملك السكن. وقبل ذلك قال مسؤول بالصندوق إنهم يعملون على ما هو أكبر من الإقراض، إذا صح ما نقلته الصحف وقتها!! فبالنسبة للمواطن لا يوجد ما هو أهم من الموافقة على طلب قرضه.
لكن التسريبات والتصريحات التي تُنقل عن الصندوق لها أثر سلبي كبير على السوق العقاري؛ لأنها تفتح الباب لاحتمالات كثيرة، وكلها لها سيناريوهات مختلفة بحسابات السوق؛ لأنه ينتظر عودة الإقراض لتحريك النشاط فيه، وخصوصًا بالمدن المتوسطة والصغيرة التي شُلّت أعمال بناء المساكن فيها تقريبًا، ولا تعاني ارتفاعًا بأسعار الأراضي. ويُعد الصندوق محركًا رئيسيًّا لسوق بناء الوحدات السكنية فيها، ويؤثر بنشاط هذه المدن الاقتصادي، كمدن عرعر وبيشة وخميس مشيط، وغيرها ممن تتأثر كثيرًا بحجم إقراض الصندوق للمواطنين فيها.
فما يحدث حاليًا من ترتيبات بالصندوق لتحويله لمؤسسة مالية أمر انتظره السوق منذ زمن، ويعد خطوة جيدة، لكن ما يفترض أن يتم لفهم التغييرات القادمة بآليات الصندوق هو إما عدم التصريح بأي تغيير أو توجُّه حتى تنتهي عملية التحول كاملة، أو تحديد موعد لإطلاق كل البرامج والتغييرات التي ستتم؛ ليتعرف عليها السوق دفعة واحدة، ويبدأ بقياس الأثر دون أن يترك للتكهنات والتحليلات غير المجدية بقطاع حساس ورئيسي بالاقتصاد، إضافة إلى حالة الانتظار والترقب من قِبل من ينتظرون صدور الموافقات لهم؛ فالتسريب الأخير الذي أشار إلى أن الصندوق سيركز على ذوي الدخل المحدود يعني أن شريحة ستُحرم من قرض الصندوق مستقبلاً.. فمن هي شريحة الدخل المحدود التي يقصدها مسؤول الصندوق؟ وعلى أي أساس سيتم وضع شروط تحددها؟ فما يؤكد حرمان شريحة من القروض قول المسؤول إن الإقراض لن «يتوقف بشكل كامل»، أي أنه لن يبقى كما هو حاليًا شاملاً كل الشرائح؛ فأغلب القوى العاملة بالمجتمع هم موظفون ومتوسطو الدخل يعملون بالقطاعين العام والخاص بما يقارب 6500 ريال، بل إن من دخلهم أقل من 12500 ريال يقاربون 80 %، أي أنه يمكن اعتبار كل موظف من ذوي الدخل المحدود.
إن تصريحات وتسريبات مسؤولي الصندوق بات الكثير يرى أنها تهيئ لتحوُّل يقلل من دوره بالإقراض، وهو أمر يُستغرب في وقت تتجه فيه وزارة الإسكان - حسب خطة التحوُّل - إلى رفع نسب التملك بخمسة في المئة مع التوقيع على عقود تطوير عديدة، وكلها تتطلب دورًا تمويليًّا كبيرًا، لا يمكن أن ينجح إلا ببقاء الصندوق القائد في سوق التمويل، فلماذا كل هذه التسريبات التي تحمل في عدم وضوحها وتفسيراتها تناقضًا مع التوجه العام الذي تم اعتماده وتبنيه لرفع دور القطاع العقاري بالناتج المحلي، ودعم تملك السكن لأكبر شريحة من المجتمع؟ ولن يتحقق للكثير فرص التملك إذا قام الصندوق بالاستمرار بتعقيد شروطه وتغيير توجهاته؛ فالوقت الحالي يتطلب التيسير والإسراع بخطوات التمويل من الصندوق، وليس توقفها وتغييرها بآليات باتت تربك السوق بكل أطرافه، وأولهم المواطن.