د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
الفرق بين الإنسان المتعلم وغير المتعلم كالفرق بين المادة الخام والمادة المسبوكة أو المصنعة، أي فرق القيمة المضافة. القيمة المضافة تمنح المادة قيمتها الاقتصادية الحقيقية، وتمنح الفرد الميزة التأهيلية. وكلما زادت دقة تصنيع أو سبك المادة الخام زادت قيمتها وكذلك الفرد في المجتمع كلما زاد تعليمه ارتفع تأهيله وزادت قيمته الاقتصادية المضافة.
ولذا فمهمة التخطيط هي توجيه الاقتصاد نحو الاحتياجات المستقبلية التي يتوقع المخططون أن المجتمعات ستزدهر بها وتقبل عليها. والنمو الاقتصادي في أيامنا هذه تحكمه عدة عوامل إضافة لأمور العرض والطلب. ومن أهم هذه العوامل المرونة وسرعة التكيف والقدرة على الابتكار. فما أن تفد للسوق سلعة ما وتشهد إقبالاً تزاحمت الشركات على إنتاجها حتى تغرق الأسواق بها. وقصب السبق دائمًا لمن يدخل السوق أولا.
وكثر هذه الأيام الحديث عن رؤية المملكة 2030م، وهي رؤية اقتصادية وتنموية في توجهاتها تحتاج للكثير من التخطيط الدقيق. ولكن أي رؤية لأي تصور مستقبلي لا بد وأن تنطلق من التعليم. وربما لا يمكن أن تشهد رؤية المملكة 2030م انطلاقة حقيقية بمعطيات التعليم والتخطيط الحالية. بل إننا سمعنا كثيراً عن أهداف الرؤية وطموحاتها، ولم نسمع كثيراً عن الخطط التي أعدت للوصول لتحقيقها. وما تحقق حتى الآن متعلق في جوانب منه برفع الدعوم عن السلع والخدمات، وخصخصة المرافق الحكومية. والجميع ينتظر الخطط التنموية المصاحبة للنهوض بالاقتصاد والمجتمع. كما أن الحديث عن التعليم لم يتجاوز الكلام النمطي المعتاد عن الإبداع والابتكار ومجتمع المعرفة. وهي عبارات تعود على مفاهيم لا يمكن قياس مدى تحققها. كما أن مؤسساتنا التعليمية العامة والعليا ما زالت دون الطموحات ولم تتطور لتواكب المتطلبات التنموية التي يطمح لها المجتمع مع العلم أننا نصرف على التعليم، على الأقل من الأرقام الضخمة المعلنة، ما يعادل أو يفوق ما تصرفه بعض الدول المتقدمة.
والتعليم من أكثر أمور التخطيط حاجة للواقعية ولا بد أن تكون أهدافه واضحة ومصاغة بلغة علمية دقيقة تبتعد عن العموميات والمثاليات. كما أنه يفترض أن تكون أهداف التعليم مرتبطة بخطط للتنمية هي بدورها تكون واضحة وقابلة للتحقيق. بدون ذلك سنستمر في نسخ خططنا الجامعية من جامعة لأخرى ونكرر التجارب والأخطاء ذاتها. وهنا لا بد من تحرير التعليم من بيروقراطية اللجان والمجالس المتراكمة التي تعيق تطوره، ويمكن استبدالها بآليات رقابة ومحاسبة أكثر مرونة. ولا بد من نظام للمتابعة والتقييم والمحاسبة لمشروعات التعليم كافة.
فمدارسنا اليوم، وكذلك جامعاتنا نسخة من بعضها البعض الآخر. ومن أجل تغيير منهج دراسي واحد في أي من جامعاتنا، على سبيل المثال، يحتاج القسم لموافقة مجلس الكلية، ومجلس الجامعة، وربما موافقة الوزارة، وهذا عادة يحتاج عامين دراسيين. والقضية ليست في الوقت فقط، ولكن أعضاء المجلسين الأعليين، الكلية، والجامعة لا علاقة لهما بتخصص القسم، وموافقتهما مجرد إجراء بيروقراطي يضيع الوقت ويحبط الأقسام من متابعة المستجدات في مجالها.
كما أن مفهوم التعليم العالي تغير بشكل جذري في معظم جامعات العالم وتحول من مفهوم التخصص الواحد، إلى مفهوم التخصصات المتداخلة التي تتشارك فيها أقسام مختلفة. فبرنامج الذكاء الصناعي مثلاً تتداخل في تدريسه أقسام علم النفس الإدراكي، وعلوم البرمجة والروبوتات، ومجال الذكاء الصناعي إن كان صناعة، أو تسويق، أو إعلام الخ. وهذا يساهم كثيراً في تقليص كلفة التعليم وتحسين نوعية مخرجاته. كما أنه يساهم في الاستفادة الكبرى من إمكانيات الجامعات، وفي تقارب أعضاء هيئة التدريس في الجامعة. ولكن تعليمنا الجامعي لا يزال وللأسف تقليديا يعتمد خططا بها كثير من الحشو، ويفتقد التركيز، والتحديث المطلوبين. والخيار اليوم مطروح أمامنا بين تعليم ناجع يقدم للبلاد والاقتصاد أكثر مما يأخذ، أو العكس من ذلك تعليم يهدر الموارد ويخرج حملة شهادات فقط يكونون عالة على المجتمع.