جاسر عبدالعزيز الجاسر
لا يخفي المحللون الإستراتيجيون مخاوفهم من تنفيذ سيناريوهات استهداف المنطقة العربية وتفتيتها بتقسيم دولها والمضي قدماً في تجزئة المجزأ، وأن نشر الحروب وتفشي الفتن الطائفية هو السلاح الذي يستعمل لتنفيذ تلك السيناريوهات إذ وجد من وضع تلك المخططات في النزعة العرقية والطائفية لدى ملالي إيران مبتغاهم فجندهم كسلاح يحقق لهم أهدافهم.
التنفيذ لم يكن سهلاً ولا اعتباطياً، فلكي يحدث التصادم وتندلع الحروب لابد من إيجاد وصنع طرفي ذلك التصادم، وبما أن المبررات موجودة في العقلية العربية والإسلامية ثم استعادة التاريخ وتحريك جذور العداء بين المسلمين العرب، وهكذا تم الرجوع إلى أكثر من أربعة عشر قرناً للبناء على تلك الاختلافات المذهبية التي تخلص العالم منها ورمتها الأمم الأخرى خلف ظهورها رغم عمق خلافاتهم وتباينها الفكري والمذهبي، فقد تخلصت أوروبا عمّا كان يغرقها وأدخلها في حروب أعاقت كثيراً تقدمها ونموها، ومثلما غرقت أوروبا في الحروب المذهبية والعرقية ابتليت المنطقة العربية بهذه الآفة، ووجد من يرون مصلحة في نشر الفتن والحروب في المنطقة العربية في الانحراف المذهبي والفكري لملالي إيران ضالتهم لإعادة القوة للخلافات المذهبية وصولاً إلى حسم الخلافات بالقتال، ولأن الحروب لا تندلع إلا بوجود طرف مضاد كان لابد من صنع ذلك الطرف والذي كان يتنافى من خلال القصور الفكري وتسطح الفهم المذهبي مما ساعد على إطلاق طرف مضاد دفع نحو تطرف أكثر عداءً للفكر الآخر والذي ساعد بسلوكياته وأفكاره إلى تنمية قاعدة التطرف كرد فعل غير منضبط، ومثلما اُستعين بالأحقاد العرقية لإطلاق الخلافات المذهبية، أُطلق عنان التطرف المضاد ليتساوى في عدائه وعنفه الطرف الآخر، إذ تؤكد كل الدراسات وتتبع ظهور حركات التطرف والتشدد في المكونيين السني والشيعي أن قوى لها مصلحة في زيادة الشرخ بين المكونيين وزيادة العداء بينهما وإيصاله إلى حد الاقتتال ومحاولة إلغاء أحدهما للآخر، إن تلك القوى هي التي أنشأت وساعدت على نمو تلك الحركات المتطرفة سواء في الجانب السني أو الشيعي حتى أصبح لكلا المكونيين مليشيات أصبحت شبيهة بالجيوش، وهناك قائمة من هذه المليشيات التي تنفذ أجندات ومخططات أعداء العرب والمسلمين مندفعة بحقد طائفي تجاوز كل الحدود مثلما نراه في عمليات داعش ومقابلة الحشد الشيعي في العراق وحزب الله في سوريا ولبنان.
وبسبب هذه الحروب والفتن التي أصبحت لها أدواتها من المليشيات والجماعات المتطرفة دمرت العراق وسوريا واليمن، وقبل أن يتم القضاء على داعش في سوريا والعراق انتقل الوباء إلى ليبيا, والهدف إغراق الشمال الإفريقي في دوامة القتال وتجزئته، ومثلما صنعت داعش ليظهر الحشد الشيعي لإجراء مضاد سوف تظهر دواعش أخرى وحشود ومليشيات طائفية في الدول التي ستتخلص منها والمخطط انتشارها إلى دول عربية أخرى لاستكمال مخطط التقسيم لمواجهة أي نهضة عربية إسلامية شبيهة بالتي حصل في أوروبا بعد أن تخلصت من الفتن والحروب بعد معالجة الخلافات المذهبية والعرقية.