محمد آل الشيخ
خسرت جماعة الإخوان المسلمين بعد أن فشلوا فشلاً ذريعًا في مصر، وشعروا كما لم يشعروا من قبل أن رهانهم على إقامة (دولة الخلافة) التي يقولون إنها ستمتد من جاكرتا وحتى طنجة، حلم ذرته رياح الواقع، وانتهت أحلامهم التي بشر بها دعاتهم إلى ما انتهى إليه القوميون بعد هزيمة 67.
«رجب طيب أردوغان» الرئيس التركي حاول أن يوظف فشل الإخوان وإحباطاتهم لنشر وتكريس شعبيته في البلدان العربية، خاصة أنه (استدار) إلى الجنوب، حيث كانت تلك الأصقاع في التاريخ القريب ولايات من ولايات االخلافة العثمانية الفانية. استجاب المحبطون الفاشلون له؛ فقد وجدوا فيه بصيصَ أمل قد يُعيد أحلامهم التي هوت وتلاشت بسقوط «محمد مرسي» وحاشيته في مصر، وتضاؤل شعبية الإخوان في عقر دارهم. وحينما فشل الانقلاب على أردوغان في تركيا رفعوا عقائرهم مؤيدين للسلطان كما أسماه أسطونهم «القرضاوي»، ومعلنين مناصرتهم له؛ وتنازلوا عن نقد (العلمانية) الأتاتوركية التي ظلوا يكفرون أصحابها، ويصفون من دعا إليها بالمروق عن الدين؛ كل ذلك (لعيون) السلطان العثماني الجديد؛ فقد كان سلطانهم (الحلم) علمانيًا حتى النخاع، ومن أجل أردوغان تتغير المبادئ وتُذعن الرقاب.
أردوغان يعرف جيدًا أن (ديماغوجية) الاخونج ستقوده ومعه الجمهورية التركية الأتاتوركية إلى النهاية، لا سيما وأن لتركيا مصالح وطنية وطموحات اقتصادية تفرض عليه أجندات لا تلتق بأجندات من يستقون توجهاتهم السياسية من كتب صفراء أكل عليها الدهر وشرب.
لذلك اسقط في أيديهم حينما رأوا (السلطان الجديد) يشد رحاله إلى روسيا التي أنقذت النظام البعثي السوري من الانهيار، ويقترب من إيران الخميني التي كانوا يقولون فيها ما لم يقله الإمام مالك في الخمر، كما صدرت تصريحات من مسؤولين أتراك تشي بأن ما كانوا يعملون عليه في السابق لإسقاط الأسد قد تغير؛ تنبه عقلاء الإخوان - وهم أندر من الدولار في الصومال - إلى أن الاستمرار في مناصرة أردوغان استنزاف لكل مبادئهم ومرتكزات أدبياتهم السياسية التي عملوا على تكريسها منذ «حسن البنا» مرورًا بـ«سيد قطب» وانتهاء بـ«محمد مرسي»، فأصبحنا نسمع هنا وهناك أقطابًا أخوانية تنتقد أردوغان وتتذمر منه وبالذات تقاربه مع إسرائيل ثم مع روسيا أخيرًا مع (العدو الفارسي)؛ وهي أمور جعلت حتى أغيلمة الإخوان يكتشفون أن (السلطان) تخلى عنهم، وأدار لهم ظهر المجن، وسلك طريقًا لا يمكن تبريره؛ فأصبحوا عمليًا مثل التاجر المفلس الذي أغرق نفسه بالديون وتخلى عن أمانته وصدقه مع عملائه، ظنًا منه أنها أفضل طريقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ فأضاف إلى مأساته المتراكمة مآسي جديدة.
الذي يجب أن تدركه جماعة الإخوان أن دولة الخلافة التي تبشر بها كل حركات التأسلم السياسي (حلم) أجوف وغبي في ظل الدولة الوطن ذات الاستقلال والسيادة، التي يعترف بها العالم من أقصاه إلى أقصاه، وسيظلون يفشلون مرات ومرات إذا لم تشمل (مراجعاتهم) الفكرية هذه النقطة الجوهرية.
إلى اللقاء..