د. عبدالواحد الحميد
لا أكتب عن سلسلة «هذه بلادنا»، وهي سلسلة الكتب الشيقة والمفيدة التي كانت الرئاسة العامة لرعاية الشباب قد أصدرتها عن بعض المدن والقرى والمواقع والمناطق في بلادنا عندما كان قطاع «الثقافة» الرسمي يتبع للرعاية التي سُلخت منها الثقافة وأُلحقت بوزارة الإعلام، حيث تغيّر اسم الوزارة إلى وزارة الثقافة والإعلام، ثم تغيّر اسم الرعاية مؤخراً بالكامل فصار اسمها «الهيئة العامة للرياضة».
بدلاً عن ذلك، أكتب عن الاستقبال الصاخب للرئيس الأمريكي باراك أوباما في مطار «هانجو» بالصين عندما وصل إلى هناك لحضور قمة مجموعة العشرين. فكما هي العادة، وصل مع الرئيس الأمريكي وفد كبير من المسؤولين ورجال الإعلام واحتشدوا بشكل مربك مما دفع رجال الأمن الصيني إلى منع بعض حاشية أوباما وبعض الصحفيين الأمريكيين من التقدم وأرجعوهم إلى الخلف وكان من ضمنهم السيدة سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي ونائبها بِنْ رودس. وبالطبع لم يَرُقْ ذلك للأمريكيين، فدخل الطرفان في ملاسنة وارتفعت الأصوات ولكن رجل الأمن الصيني صرخ في وجوه الأمريكيين:» هذه بلادنا.. وهذا مطارنا»، وأصر على إزاحتهم غير عابئ بـ»الهيلمان» الأمريكي المعهود الذي طالما رافق رحلات الرؤساء الأمريكيين.
صحيح، أمريكا هي أكبر وأهم دولة في العالم في الوقت الحاضر، لكن الصين تحث الخطى لانتزاع هذا اللقب من الولايات المتحدة. ويُجمِع دارسو المستقبليات أن الصين سوف تنتزع هذا اللقب في مدة لن تطول.
فالصين في الوقت الحاضر قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية يحسب لها الجميع ألف حساب، وضابط الأمن الصيني يعرف ذلك! وإذا كان الأمريكيون يتصرفون من منطلق شعورهم بالقوة والاستثنائية فإن الضابط الصيني عبَّر لهم بطريقته الخاصة أن الصين أيضاً قوية وأنَّ لا استثناء لأحد.
مذهلة دولة الصين التي قفزت خلال عقود قليلة من عمر الزمن إلى المقدمة وهي التي كانت غارقة في التخلّف والجهل والفقر! وقد أصبح العالم يتطلع إلى الصين كمنقذة له من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها منذ عدة سنوات ويراهن على معدل نمو متحسن للاقتصاد الصيني على أمل أن ينتشل معه الاقتصاد العالمي المريض.
لقد عاشت الصين في سالف الزمان عصوراً ذهبية من الحضارة، فهي وإن كانت قد كَبَتْ بعد ذلك ومرَّت بأزمنة صعبة لم تتخلص من تبعاتها بالكامل حتى الآن، فإنها تثبت أنها أمة عريقة تضرب بجذورها في الأعماق وليست مُحدثة النعمة كي تُسكرها القوة، لهذا صرخ ضابط الأمن الصيني بثقةِ مَنْ يستند إلى حضارة عمرها آلاف السنين في وجوه الأمريكيين «هذه بلادنا.. وهذا مطارنا»، إفرنقعوا عنا..!