خالد بن حمد المالك
أنهى زعماء مجموعة دول العشرين اجتماعاتهم أمس بما أُعلِن من قرارات في بيانهم، وجاءت القرارات منسجمة مع المستجدات ومكملة لما سبق أن أُخِذ به من توصيات في اجتماعات سابقة، ومن الواضح أن الدول التي تمثل أكبر قتصاديات في العالم لم تفسد السياسة والمواقف المتباينة ووجهات النظر المختلفة وكثير من القضايا ذات المواقف المترددة منها، حرصهم على أن يضعوا ذلك جانباً، ويتفقوا على ما كان على جدول أعمالهم من موضوعات، حُضِّر لها بعناية من قِبَل الخبراء واللجان التحضيرية التي سبقت عقد المؤتمر.
عاد سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى المملكة بعد مشاركته كأحد أقطاب هذه القمة، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ولم يكتف الأمير محمد بالمشاركة ضمن زعماء العالم الكبار، وإنما كانت فرصة له لعقد عدد من اللقاءات الثنائية مع عدد منهم، ناقش خلالها ما يهم المملكة، وتحدث معهم بوضوح عن مواقفنا من مجمل التطورات في منطقتنا، بنفس المبادئ التي تقوم عليها سياسة المملكة، وهي الوضوح والشفافية والتأكيد على التزامها بمحاربة الإرهاب والسعي لإقرار الأمن والاستقرار.
كان عنوان المؤتمر واضحاً للإلمام باهتماماته، فهو يقوم على تعزيز سياسات التنسيق وفتح مسارات النمو، وإذا أُخِذ بمضامين هذا العنوان في قرارات يتم الالتزام بها، فإن العالم أصبح أمام مرحلة جديدة من التفاؤل بالغد الأفضل، إذ لا زالت دول العالم تفتقد إلى التنسيق، وتصطدم بإغلاق مسارات النمو، وإن كان ذلك جزئياً وفي مجالات محددة، إلا أنها تلقي بظلالها السلبية، إذ لا يمكن أن نتجاهل أهمية أن يكون هناك مزيد من التنسيق، وفضاء أوسع للنمو في مختلف دول العالم.
المملكة هي دائماً مع هذا التوجه، وهي تنسجم مع الأفكار والتوجهات التي تتبناها رؤية 2030 ، ولابد أن توقيت الإعلان عن البدء بها، مع توجه العالم إلى إعطاء اهتمام غير عادي للتنسيق وفتح مسارات النمو، إنما يخدم ذلك سياسة المملكة الاقتصادية التي جاءت واضحة في تفاصيل الرؤية وبرنامج التحول الوطني، وبما يلبي هذا العنوان الكبير لمؤتمر القمة توصياتها، غير أنه من المبكر القول إن ما يتم الاتفاق عليه في أكبر مؤتمر دولي سوف يكون قابلاً للالتزام والتنفيذ الفوري، ومن دون معوقات.
كانت مدينة هانغجو الصينية الجميلة، بملايينها من السكان هادئة، وشبه خالية من الحركة، فقد اهتمت الحكومة الصينية بالجانب التنظيمي والأمني، ووفرت غطاءاً أمنياً شديد الحرص على سلامة المشاركين في المؤتمر من الزعماء والوزراء والإعلاميين، بما جعل الجميع ينظر إلى المدينة وكأنها واحة سلام، كما هي واحة جمال بمبانيها وشوارعها وميادينها وحدائقها وجسورها الجميلة، غير أن هذا الحرص على توفير الأمن ساده كما في كل مؤتمر مماثل معاناة من التدقيق والتفتيش للداخل والخارج ممن يحق له حضور المؤتمر، أو يريد أن يذهب إلى المركز الإعلامي لمتابعة ما يجري في قاعة المؤتمر من كلمات وصور لقادة دول العالم.
أهمية المملكة على الساحة الدولية في هذا المؤتمر وغيره، يمكن التعرف عليه مما قاله الرئيس الروسي بوتين بعد اجتماعه بولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من أنه لا يمكن تسوية أي مشكلة مهمة في المنطقة من دون السعودية، وهو رأي تقوله كل دول العالم، فالجميع يعرف وزن المملكة وأهميتها وبُعد نظر قادتها، فهي دولة كبرى اقتصادياً وعسكرياً وتتمتع بعلاقات متميزة مع دول العالم، ولها تاريخها في خدمة السلام في العالم، ولا يمكن بدونها حل مشاكل المنطقة، كما قال بذلك الرئيس الروسي.
هذه القمة وما سبقها تظهر تصميم العالم على معالجة القضايا المعلقة إلى حين، وحرص القادة على أخذ المسار الصحيح للتخلص من السلبيات المتراكمة، وأنه بدون أن يتفقوا على ما هو مصدر قلق، ومن ثم أخذ الخطوات المناسبة لمواجهته، فإن هذه السلبيات سوف تكبر، وتتسع، بما لا يكون لأي عمل مستقبلي القدرة في الوصول إلى معالجة سريعة وفاعلة له، وهو ما أعتقد أن الزعماء قد أخذوا به في خطوات إصلاحية متتالية في قممهم.