إعادة هيكلة أي شركة ليست مهمة سهلة أو مريحة، ولكنها تعود بالنفع على الشركة وعلى فريق العمل المكلف بالهمة، وفيما يلي خلاصة لتجربة رئيس تنفيذي خاض التجربة وذاق حلوها ومرها.
عملت رئيسا تنفيذيا لشركة حديد وصلب (داخل سابك) ولشركة بتروكيماويات (شركة التصنيع الوطنية)، وكلاهما يعملان من مقرهما الرئيسي في العاصمة السعودية الرياض، ومنذ الأسابيع الأولى من عملي بشركة التصنيع الوطنية اتضح لي أنني بحاجة إلى إجراء عملية إعادة هيكلة للشركة.
فماذا تعني عملية «إعادة الهيكلة»؟ إنها تعني حرمان موظفي الشركة من وظائفهم؛ خلق حالة من القلق الشديد بين من تبقى منهم؛ الدخول في مشاحنات مع يخالفونك الرأي من أعضاء مجلس الإدارة؛ نعم، لقد كانت «إعادة الهيكلة» أهم تحد واجهته خلال فترة عملي رئيسا تنفيذيا لكل من الشركتين، ولكن رغم ذلك فإن «إعادة الهيكلة» كانت تأمينا لمستقبل الشركات المهيكلة، التي بدونها كانت ستسير حتما في طريق الانقراض.
وكما قلت لأحد الصحفيين في مؤتمر صحفي صاخب: «صحيح أنني سأفصل 30 بالمائة من القوة العاملة بالشركة، ولكن لا تنس أنني سأحافظ بذلك على وظائف 70 بالمائة من القوة العاملة». إن الضرورة قد تقتضي أحيانا اللجوء إلى إعادة الهيكلة، ولكننا حينما نضطر إلى ذلك لا بد من إنجاز المهمة بصورة جيدة، وفي هذا المقال أريد أن أشرك القارئ رؤيتي حول ما يجب علينا فعله وما لا يجب فعله في عملية إعادة الهيكلة.
سرعة تنفيذ المهام الأساسية
تعاد هيكلة الشركات لأن إدارات الشركات تتسبب بمرور الزمن في ارتفاع تكلفة العمالة، دون حدوث تحسن في الإيرادات. ففي بداية الأمر ستجد نفسك في حاجة إلى تفهم الأسباب التي أدت إلى ذلك. هل كان ذلك بسبب حدوث ترهل وظيفي؟ أم بسبب فشل في إستراتيجية النمو؟
وأيا كان السبب، يجب على المدير التنفيذي أن يتفهم كيفية أداء نموذج تشغيل الشركة، هو في حاجة إلى التعرف على الأماكن التي حدث فيها تراكم في التكلفة، وفوق ذلك إلى التفريق بين التكلفة الإنتاجية (التي تتطلب الحماية) والتكلفة الاجتهادية (التي يمكن تقليلها)، وكلا الأمرين يبدوان في غاية السهولة، بيد أنهما ينطويان على بعض الصعوبة.
ولن تفيد النظم المحاسبة ونظم الموارد البشرية في إعطاء جواب شاف عن تساؤل مثل: كم عدد العاملين في شركتي؟ وأين يعملون؟ وبنفس المنطق، سيصعب على المدير التنفيذي التعرف على المقدرات المميزة التي يحتاج إليها لإدارة التنافس في السوق بسبب ارتفاع مستوى إستراتيجية الشركة. لذلك يجب عليه، بعد الإقرار بهذه التحديات، أن يقر أيضا بأن سرعة اتخاذ الإجراء أهم من جودة تصميمه، وأن يمضي إلى الأمام متحليا بالجرأة. وإن رغب في ارتكاب أخطاء فما عليه سوى توظيف كثيرين عوضا عن الاكتفاء بالقليل.
ولأن تقليل القوة العاملة بمعدل 20 بالمائة أو أقل لن يجدي في تبرير الألم المترتب استهدف 30 بالمائة أو أكثر. نظم المكاتب وأغلق المصانع وخطوط الإنتاج غير الرابحة. وفي سبيل ذلك قد تواجه بالمظاهرات، ولكنهم في قرارة أنفسهم سوف يعلمون أن «الخشب الميت» يتراكم في سنوات الازدهار، أيا كان النجاح، حين تتوسع الأقسام، وتفقد رشاقتها، ويلجأ الناس إلى تبرير عملهم بأنشطة غير منتجة - كثرة التحليل يولد الشلل.
إدارة النقد
السيولة النقدية مهمة في ظروف الإعداد، لذا يجب عليك مراقبة النقد والتخطيط له واستخدامه في أضيق نطاق ممكن. ضع تغطية الرواتب في أعلى قائمة أولوياتك، مستعينا على ذلك بالإدارة الحازمة لرأس المال العامل. قائمة الجرد هي ببساطة سيولة نقدية في شكل بضائع مخزنة، وعليك أن تكون على استعداد للتخلص منها حتى وأن أثر ذلك في إجمالي العائدات قبل خصم الفائدة والضرائب والإهلاك والوفاء بالديون.
ويكفي أسبوعان للتخلص من قائمة المنتجات المعدة للبيع محليا، وأربعة أسابيع للتخلص من قائمة المنتجات المعدة للبيع في الخارج. ويمكن إدارة قائمة المواد الأولية بنفس الطريقة، مع إدراج تعديلات طفيفة حسب مواعيد التسليم، آخذا في الاعتبار انطباق قاعدة «الأسبوعين والأربعة أسابيع» أيا كانت المواعيد. ولا تنس قائمة قطع الغيار، اشتر منها أقل ما يمكن وتخلص بالبيع حسب المستطاع.
ومن الجوانب التي ينبغي الاهتمام بها حسابات الدائنين. حاول إطالة فترات الدفع قدر المستطاع: فترة الستين يوما هي السائدة هذه الأيام، ولكن يمكنك التفاوض في حدود 90 أو 120 يوما. وكن صريحا مع الموردين وموفري الخدمات إن رأيت نفسك مضطرا إلى تأخير الدفع بسبب عدم توفر السيولة. اطلب منهم المساعدة، وقدم لهم هامش دفع مقابل فواتيرهم المتأخرة، وتذكر أن تسديد جزء من الفاتورة أفضل بالنسبة لهم من تعطيل الدفع لكامل المبلغ. حاول أيضا استعجال عملائك لدفع ما عليهم.
قياس النتائج
سواء اخترت إدارة السيولة أو خفض المهام يجب عليك قياس كل شيء. وإن كان الضبط المالي اليومي لا يرقى إلى المستوى المطلوب يمكنك تأسيس مكتب إداري مهمته مراقبة السيولة، وضبط قائمة المنسوبين، وقياس فعالية أعمال الإعداد. وعلى المكتب التنسيق مع مجلس الإدارة كل ثلاثة أشهر، على أن يتولى القسم المالي مهمة التوفيق بين تقارير المكتب والنتائج المالية كل ستة أشهر.
التواصل مع مجلس الإدارة
مجالس الإدارة لا تتابع في العادة أعمال الشركة اليومية. ورغم أن ذلك قد يتيح حرية الحركة للرئيس التنفيذي فإن اعتراضات مجلس الإدارة، الناجمة عن عدم الإلمام بسير العمل اليومي، قد تعيق عمله.
فماذا عليه أن يفعل؟ منذ اليوم الأول لتوليه منصبه يجب على الرئيس التنفيذي عقد تحالف مع المجلس، وبصفة خاصة رئيس المجلس، وأن يعلم أن معظم أعضاء مجالس الإدارة لا يتحمسون في العادة لإجراءات إعادة الهيكلة. وقد لاحظت، من واقع تعاملي مع مجالس الإدارة، أنها أحيانا تؤخر تنفيذ بعض القرارات المهمة رغم النقص الحاد في السيولة. ولذلك أفضل دائما أن تكون مجالس الإدارة التي أتعامل معها ملمة بمجريات العمل بالشركة قدر الإمكان وداعمة لها، ما يضع على عاتقي مسؤولية تنوير أعضاء مجلس الإدارة بجدوى أعمال إعادة الهيكلة.
وما يسري على المجلس الاستشاري يسري أكثر على المجلس التنفيذي، ولذلك تجدني حريصا على تبليغ الإدارة العليا بتفاصيل أكثر عن سير العمل مقارنة بغير التنفيذيين. هذا التواصل مع الإدارة التنفيذية مهم لأن دعمها غير متاح في كافة الظروف، ولأنه لا يستطيع قيادة الشركة بمفرده، ولأن مثل هذا التواصل يفتح الخيار أمامه لكي يحتفظ بمن يشاء، ويعين من يشاء، ويفصل من يشاء، وهي حقوق يجب عليه ممارستها حتى وإن كلفه ذلك إبعاد من كان قد عينه قبل شهور قليلة. فالضرر الذي يسببه نائب رئيس تنفيذي غير متعاون مثلا أكبر بكثير من الضرر الكامن وراء الاعتراف بخطأ ما.
التواصل مع الموظفين
المجلسان الاستشاري والتنفيذي لهما أهميتهما القصوى على المدى البعيد، بيد أن موظفي الشركة هم من بيدهم إمكانية صنع أو تدمير أي تحول إيجابي على المدى القريب. فالموظفون قد يكونون عونا للمدير التنفيذي، وقد يجدون ألف طريقة وطريقة، كلها صعبة التتبع، لإبطاء عجلة النمو، ولذلك يجب على المدير التنفيذي، آخذا ذلك في الاعتبار، تسجيل زيارات منتظمة للمصنع والمكاتب، وعقد الاجتماعات مع الموظفين، بحيث يكون أداؤه في هذه الاجتماعات مؤشرا لأسلوبه في العمل، وتأسيسا للقيم التي يريدها أن تسود، وضمانا في نهاية المطاف لنجاح عملية التحول.
يجب على المدير التنفيذي أن يوضح للموظفين الأسباب التي يراها ضرورية لتنفيذ أعمال إعادة الهيكلة، مكتفيا بسبب واحد أو سببين، وأن يكون مهيأ لتكرار هذه الأسباب في أوقات متفاوتة في أثناء حديثه، لاستبعاد أي شكوك قد تساور أيا من الموظفين. وفي هذه الأحاديث ينبغي على المدير التنفيذي ألا يتهيب التعبير عن جوانبه الإنسانية. فقد حدث ذات مرة أن استخدمت رواية حول تركي لعائلتي في حالة حزن، نسبة للوقت الطويل الذي أقضيه بعيدا عنهم من أجل إنقاذ شركتي، ولاحظت أن استخدامي هذا لوضعي العائلي، الذي يعاني مثله الموظفون أيضا بطرق مختلفة، ساهم كثيرا في توثيق الصلة مع كنت أخاطبهم. وليس معنى ذلك أن تبالغ في ذكر المواقف المأساوية، بل يجب عليك أيضا الاحتفاء بالنجاح، لأن بعض الإنجازات اليسيرة قد تبرز في المراحل الأولى لعملية إعادة الهيكلية، ولأن الناس عادة يحبون النجاح، كما أن أي نجاح قد يقود إلى نجاح آخر. ولأن الأسئلة قد تكون حاضرة في مثل هذه الملتقيات، يجب على المدير التنفيذي ألا يتهرب من الأسئلة، بل يستغلها لإبراز أمانته وجديته.
ولأن برنامج إعادة الهيكلة غير قابل للارتداد إلى الخلف فإن السامعين سيظلون في حالة توق للتعرف على اتجاهات التحرك. فعقب أحد لقاءاتي بالموظفين دهشت عندما أتاني بعضهم معبرين عن امتنانهم للإجراءات التي اتخذتها، رغم أن من بين هؤلاء من فقد أصدقاءه بسبب فصلهم في أثناء عملية إعادة الهيكلة.
التعاطي مع الإعلام
من الأفضل أن تخاطب الإعلام بنفسك بدلا من انتداب شخص آخر للتحدث نيابة عنك، ولذلك يجب على المدير التنفيذي عدم تفويت أي فرصة تتاح له للتحدث إلى الإعلام، وبخاصة التلفاز الذي يعد وسيلة مهمة لتوصيل ما يرمي إليه. وعليه أن يبتسم عندما تسنح له فرصة الإطلالة عبر شاشة التلفاز، ولكن دون ضحك، وأن يتذكر أنه غير مجبر على الإجابة عن الأسئلة كافة، بل يمكنه الاكتفاء بانتقاء الإجابات التي تخدم هدفه. وتنص التقاليد الإعلامية أن يبدأ المذيع الحوار، وأن يكون ضيفه ضابطا لنفسه.
إدارة البنوك
هناك نوعان من شركات الخدمات المتخصصة لهما دور في تسهيل إجراءات إعادة الهيكلة: البنوك وشركات الاستشارات، غير أن علاقة العمل مع كل منهما تختلف اختلافا بينا. فبينما تخدم شركات الاستشارات عمل الشركات، نجد أن البنوك هي التي تحتاج خدمة الشركة في الفترات الصعبة. وعلى الرئيس التنفيذي أن يعلم أن تسديد الديون له الأولوية على توزيع أنصبة الأسهم، ولذلك يجب عليه أن يكون مستعدا لوقف توزيع الأنصبة أو خفض قيمتها، ومن ثم يبادر بإعادة هيكلة ديونه مع البنك ليعطي نفسك مجالا لأخذ النفس. وعليه ألا يخشى أن يطلب فترة سماح من البنوك، وهي فترة توقف فيها المدفوعات كافة عدا معدلات الفائدة. ولأن مثل هذه الترتيبات تتطلب توافر الثقة يجب على المدير التنفيذي أن يتحلى بالأمانة، وأن يوضح للبنوك أنه يدخر شيئا ما لهم على المدى البعيد، مثل فوائض الأموال المتحصلة من عملية إعادة الهيكلة. فمثل هذه المبادرات لن تترتب عليه أي تكلفة، ولكنها تتطلب من المدير التنفيذي الجدية وتأكيد القول بالفعل. وبصفة خاصة، يجب أن تتسم خطط إعادة الهيكلة بالمصداقية، وأن تكون البنوك على دراية بها أولا بأول، وأن يكونوا على قناعة بأنك تضع مصداقية في المحك.
حشد المستشارين
المستشارون لهم القدرة على ابتكار عالم أفضل، فهم يتعاملون كثيرا مع خطط إعادة الهيكلة، وعلى علم بالخطوات المطلوبة لاستكماله، يضاف إلى ذلك أن وجودهم يضفي المصداقية على جهود المدير التنفيذي، سواء من وجهة نظر البنوك أو في أعين أعضاء مجلس الإدارة. ورغم ذلك يجب عليه ألا يعتمد عليهم اعتمادا كليا، وأن يستفيد منهم في جمع البيانات وتحليلها وحسب، لأن كفاءتهم لا تؤهلهم لإحداث التغيير.
هذه اللحظات، أي لحظات إحداث التغيير، هي اللحظات التي يلجأ فيها المستشارون عادة إلى تحميل موظفيك مسؤولية تقصيرهم. اطلب منهم أن يدلوك بالاسم على الموظفين غير المتعاونين، وتحر في الموضوع بنفسك، وإن كان ما قالوه صحيحا افصل الموظف عن العمل، وإن لم يكن كذلك شدد على المستشارين لكي يجدوا في عملهم مع موظفيك. مثل هذا التعامل الجدي من جانب المستشارين لا يأتي من فراغ، ولكنهم قادرون على ذلك إن منحوا الحافز المناسب، وهذا الحافز بدوره يجب أن يكون مربوطا بالتحول الناجح، ليس بالتصميم فقط، بل بالتسليم أيضا.
تحذير أخير: المستشارون يجنحون عادة إلى اختلاق عمل لهم عندما يكونون داخل شركتك. اتفق معهم على الأهداف، وتأكد من أن شراكتهم معك تنتهي عند تحقق هذه الأهداف.
التعامل مع الذات
لا أستحضر وظيفة عانيت فيها مثل ما عانيت في وظيفة المدير التنفيذي أثناء فترات إعادة الهيكلة. ففي تلك الفترات حرمت من النوم، وتحملت عائلتي فوق ما تطيق، واستهدفني الكثيرون بالنقد عبر وسائل الإعلام، واستبعدني من كنت على صلة وثيقة بهم من زملائي، بيد أن عزائي الوحيد كان في المثل العربي الذي يقول: الناس لا يقذفون بالحجارة سوى الأشجار التي تحمل الثمار.
وفي نفس الوقت لا تحضرني وظيفة استمعت بها قدر ما استمتعت بهذه الوظيفة، ذلك لأن الرضا الذي يضفيه الشعور بأن مهمة في غاية الصعوبة قد أنجز لا يعدله أي أحساس آخر. ولكن الرضا شيء والتكبر شيء آخر، والتواضع هو أهم قيمة يمكن أن يحصل عليها أي قيادي.
* * *
«التصنيع الوطنية» في سطور
تأسست شركة التصنيع الوطنية باعتبارها أول شركة صناعية سعودية غير مملوكة للحكومة في عام 1985م بهدف تنويع الاقتصاد. وهي الآن ثانية كبريات الشركات الصناعية السعودية وإحدى كبريات الشركات المنتجة لثاني أكسيد التيتانيوم على مستوى العالم.
وتعمل الشركات عبر ثلاث وحدات هي: البتروكيماويات (الشركة السعودية للبولي أوليفينات والشركة السعودية للإثيلين والبولي إثيلين، والشركة السعودية لحامض الأكريليك) والكيماويات (الشركة الوطنية لثاني أكسيد التيتانيوم- ثاني أكسيد التيتانيوم، المعادن المعتمدة على ثاني أكسيد التيتانيوم، والتنجيم والأصباغ) والصناعات التحويلية، بما في ذلك المعادن والمنتجات المتنوعة والخدمات.
***
- نقلا عن نشرة «أي سي أي إس» المتخصصة في البتروكيماويات
مطلق المريشد - الرئيس التنفيذي لشركة التصنيع الوطنية