كان الحج موجوداً في شريعة نبينا إبراهيم عليه السلام، ومع مرور الزمن خالطته بعض البدع الشركية، وانحرف مساره إلى عبادة غير الله بعبادة الأصنام، وتعليقها على الكعبة والطواف حولها!
وللعبادات غايات وأبعاد سامية في تقويم وتربية وتهذيب النفس، وإصلاحها، ومن أمثلتها قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} سورة التوبة. وكذلك الحج ليس ألفاظاً، وحركات، وأعمالاً فقط وإنما هذه الأشياء غاية للوصول لأهداف وأبعاد كثيرة، وأهمها رضا الله عز وجل. وللحج عموماً أبعاد عدة أهمها: البعد الروحي والتربوي، ويتمثل في إصلاح الحاج وتربيته وتقويمه، ففي بذله المال كسر لأنانيته، وفي لبسه الإحرام إبعاده بشكل كامل عن المتعلقات المادية. والبعد الاجتماعي ويتمثل باجتماع وتعاون الحجاج ودعاء بعضهم لبعض، وفي ذلك إظهار لقوة المسلمين أمام العالم، ولا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة. وكذلك البعد الثقافي يتمثل بالتقاء مفكري وعلماء المسلمين في الملتقيات، والمؤتمرات؛ لمناقشة قضايا الأمة، وتعارفهم وغيرها. وكذلك البعد الاقتصادي يتمثل بالتبادل التجاري بين الحجاج، وتصريف منتجات وصناعات البلاد الإسلامية وغيرها. وكذلك لكل عمل من أعمال الحج أبعاد خاصة، فالنية بعدها تحديد معنى العمل. والإحرام والتلبية بعدهما الاستجابة الكاملة لأمر الله، والطواف بعده التحرك ضمن دائرة الإسلام، والسعي بعده تعلق القلب بالله وحده، وعرفة بعدها الدعاء وأثره في الحياة، ومزدلفة بعدها الخشونة والتحمل، ورمي الجمار بعدها طبيعة العلاقة مع الباطل والطاغوت، والهدي بعده الخضوع والتسليم لأمر الله، والحلق بعده التغير شكلاً ومضموناً، وزيارة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعدها طبيعة التعامل مع القيادة.
لقد فرض الله الحج في العمر مرة، وحج النبي (صلى الله عليه وسلم) حجة وداع واحدة في السنة العاشرة، فخطب فيها خطبته التي لخص فيه أن الإسلام والحج رسالة سلام بقوله: «.... إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض...».
وليتنا نكتفي بحجة وداع لنفسح المجال لغيرنا الذي بالكاد يجمع قيمة حجه بعد عمر طويل من الكد والعمل؛ ليكون حجنا عبادة وسلوكاً حضارياً.
إن تقلد لقب حاج شرف لكل مسلم ووسام، فمن حج، ولم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فينبغي على الحاج أن يحافظ على هذا الوسام والشرف بعد رجوعه إلى وطنه بأن يعبد الله كأنه يراه.
- علي صالح الفهيد