د.محمد بن سعد الشويعر
للقلوب أمراض، يدركها الأطباء في مختلف تخصصاتهم، ولها وقايات علاجية، وهذه الأمراض تعتري القلب؛ لأنها ألم يحصل فيه، باختلاف الأسباب، ومنها الأمراض النفسية، كالغيظ على إنسان عدو، فيشفي الإنسان غيظه، إذا تهيأ له الانتقام ممن أغاظه، فإذا تهيأت له الغلبة على ذلك العدو فإنه قد شفى قلبه، كما قال سبحانه: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ (14-15) سورة التوبة.
وما سمعناه من أخبار متفرقة في أماكن مختلفة عمن قتل نفساً بغير حق باختلاف الجنس، والجنسيات، فهذا لا يرضاه الدين والشرع، لأن النفس محرم قتلها باتفاق الملل، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه).
فيا من قمت بقتل والديك، ويا من قتلت أمك، ويا من قتلت أهلك، ويا من قتلت وافداً مستأمناً للبلد يبحث عن قوت يومه، ويا من قتلت من يسجد ويركع في بيت الله يطلب رحمته.
هل كل ما فعلته»بعقل»؟! هل هو شفاء لك ولغضبك ولغيظك وحزنك؟! بل هو جهلك وشيطانك الذي فتح بابه الواسع لك.
ولا تعتذر بقولك إنك في حالة «غضب»؛ لأن تعاليم الإسلام جاءت بحدودها وزواجرها؛ لتشفي القلوب، وتطمئن الأفئدة، وتحمي المجتمع من التسلّط.
وغضب القلب حالة نفسية وتصرف لا شعوري يرتبط بالبدن ويؤثّر فيه، والبدن يتغيّر من جهة ما يعتريه من أعراض نفسية، وهي الأمور المهيجة له، والمؤثّرة فيه، مثل الغضب والفرح والضحك، والبكاء والغم والهم والخجل.
وأطباء العرب يرون أن الغضب، يسخّن البدن ويجففه؛ ولذا نجد في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهياً شديداً عن الاستسلام للغضب، وحثاً للنفوس الطاهرة بالابتعاد عنه، ووصف العلاج لتفاديه، والحذر من شروره.
ففي النهي الشديد عنه: أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني قال: لا تغضب، فردد مراراً قال: لا تغضب. أخرجه البخاري.
وفي وصف العلاج لتفادي آثار الغضب، وشفاء القلب قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع» أخرجه أبو داود.
ولذا فإنه يجب على الإنسان ألا يدفعه غضبه إلى الحماقة والغفلة عن ذكر الله، والبعد عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من نار».
فمن كان غضبه سريعاً، يجب عليه أن يلتمس في توجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريح القلب، ويطفئ الغضب، ومن ذلك على سبيل الاستدلال لا الحصر ما يشفي ويرد الغضب ذكر الله أولاً ثم (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
ومن كان يعرف في نفسه سوء الخلق، والتعجل في الحكم على الأمور، فإن في الإسلام وتعاليم الدين وما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يروّض نفسه على الرضا، والتماس المعاذير للناس، حتى لا يغلب على طبائعهم، أو يطغى سوء الخلق على بعض الطباع، فيغفلون عن الواجب.
وليأخذ كل فرد من رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الصالحة عندما يغضب، فإنه يكظم غيظه، ويعفو عن الناس، ويحسن إلى من أساء إليه، قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134) سورة آل عمران.
فهذا أثر ملموس، ونتائجه ملموسة وعاقبتها راحة القلب، واطمئنان للفؤاد، ذلك أن القرآن الكريم فيه شفاء لما في الصدور، وعلاج لكل مؤثّر، يطرأ على النفس البشرية.
فمن في قلبه مرض من أمراض الشبهات والشهوات، ومن تتأثر أحاسيسه بالغضب الذي قد يعرف مبعثه، فإن في كتاب الله عزَّ وجلَّ وفي سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم التوجيه السليم، وما يزيل آثار تلك الشهوات والشبهات، وما يمحو الباطل الذي ارتكس في وجدان الإنسان من آثار الغضب، حيث تزول آثاره المفسدة للعمل، بحيث ترى الأشياء على ما هي عليه.
يقول ابن تيمية -رحمه الله- (في كتاب الله من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة، ما يوجب صلاح القلب، فيرغب القلب فيما ينفعه، ويرغب عمَّا يضره، فيبقى القلب، محباً للرشاد مبغضاً للغي، بعد أن كان مريداً للغيّ، مبغضاً للرشاد، فالقرآن مزيل للأمراض، ومزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة حتى يصلح القلب فتصلح إرادته، ويعود إلى فطرته، التي فُطر عليها كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي، ويتغذّى القلب من الإيمان، والقرآن بما يزكّيه ويؤيّده كما يتغدى البدن بما ينمّيه، ويقوّمه، فإن زكاة القلب، مثل نماء البدن) «كتاب أمراض القلوب وشفاؤها لابن تيمية ص16».