م. خالد إبراهيم الحجي
إنَّ أطروحات الدكتوراه تمثل فكراً ومشهداً أصلياً لفترة من البحث العلمي المبتكرة، وموضوعاً واحداً يكون هدفاً للمئات بل للآلاف من الطلبة الذين يشرعون في تحصيل شهادة أو درجة الدكتوراه في كل عام.. والمتطلبات اللازمة للحصول على درجة دكتوراه واحدة تختلف باختلاف المواضيع المراد بحثها، وتختلف بشكل كبير بين الجامعات المتنوعة والدول المختلفة حسب المقاييس والضوابط التي تضعها كل جامعة أو دولة، وفي أغلب الدول تعتبر الدكتوراه شرطاً أساسياً للعمل في السلك الأكاديمي؛ لأنها مقدمة أو بوابة إلى الدخول في عالم البحث العلمي المستقل. ونظام التعليم العالي إلى جانب الاتجاه الثقافي السائد في المجتمع، والوعي والإدراك الحقيقي بمتطلبات التنمية والتطوير يلعب دوراً جذرياً ومؤثراً في صياغة التوازن بين سهولة وصعوبة الحصول على الدكتوراه، أو بين الابتذال والصون لشهادة الدكتوراه، أو بين الإقبال الشديد وزيادة المعروض منها في مجالات العلوم النظرية والإنسانية وبين الإحجام الشديد ونقص المعروض من الدكتوراه في المجالات المهنية العملية والعلمية التطبيقية التي تساهم في مسيرة التنمية والتقدم والتطور، مثل: الطب والصيدلة والهندسة وإدارة الأعمال والحاسب الآلي وتقنية المعلومات.. والدكتوراه نوع من الإبداع الفكري الذي يقدمه المبتدئ في مجال البحث العلمي، بالتعاون الوثيق مع المشرف الأكاديمي على رسالته العلمية. واعتناء طلبة الدكتوراه من جهة واهتمامات الأكاديميين العلميين والجامعات من جهة أخرى ليست متوازية بشكل جيد؛ فالأفضل للأكاديميين بقاء الطلبة الأكثر ذكاءً وتألقاً في الجامعات؛ لأنّ طلاب الدراسات العليا خير من يعزز مكانة المنشورات العلمية للمشرفين الأكاديميين، كما أنَّ زيادة عدد الباحثين يزيد من الاعتمادات المالية المخصصة من قبل الجامعة والدولة للصرف على مشاريع البحث العلمي اللازم إنجازها من قبل طلبة الدكتوراه، تحت رعاية المشرفين الأكاديميين، لذلك ليس من مصلحة الدولة والجامعات التفريط في الأذكياء من الشباب الواعدين، بل يجب عليهم الحرص على انتقاء المشرفين والطلاب الأذكياء المتألقين لإعدادهم لمرحلة الدراسات العليا، وإحاطتهم برعايتهم الخاصة.. وشهادة الدكتوراه تؤخذ عادة للتأهيل كوظيفة في السلك الأكاديمي، ومع ذلك نجد حملة الدكتوراه يعانون كثيراً؛ لأنّ عدد الوظائف المخصصة لحملة الدكتوراه غير مرتبط بعدد الوظائف الشاغرة، حيإن عدد الحاصلين على درجة الدكتوراه يزيد كثيراً جداً على الوظائف الشاغرة.. ويصرح كثيرٌ من طلبة الدكتوراه بأنهم يهتمون ويسعون للبحث العلمي في المواضيع التي يحبونها بشغف شديد، وأنَّ النهاية المنشودة لديه التعلم والبحث عن المعرفة، والبعض الآخر منهم يعطي قليلاً من الأهمية والفكر إلى حيث يقودهم المؤهل العلمي، ويسعون للحصول على الدكتوراه بناءً على التوجيه النبوي من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، الذي جعل طريق الحصول على شهادة الدكتوراه في موضوعات الشريعة والقضايا الإسلامية المعاصرة يكتظ بالطلبة الباحثين. وهذا التوجيه النبوي بلا شك دفع القدرة البحثية في موضوعات الشريعة والقضايا الإسلامية المعاصرة إلى مستوى أعلى وأفضل، وبأعداد أكثر من السابق. ولكن الإقبال المنقطع النظير شكّل تياراً سائداً في المجتمع، وتحول إلى نزعةٍ اجتماعيةٍ سائدةٍ صرفت النظر عن الإقبال على المجالات الفنية والتطبيقية، وقللت من شأنها ومن أهمية دورها الرائد وقيمتها الملموسة لدفع عجلة التنمية والتقدم والتطور في المجتمع، وهذا بالتأكيد ليس جيداً ولا يخدم المجتمع، والزيادة البالغة في المعروض من الدكتوراه في موضوعات الشريعة والقضايا الإسلامية المعاصرة، يجعل معظمها تنتهي في الغالب إلى الحفظ في المكتبات الإسلامية، ولا يستفيد منها سوق العمل الخاص أو العام، ولذلك فإنَّ أصحابَ المال الاستثماري من رواد الأعمال الصناعية والتجارية يشتكون دائماً من نقص المستويات العالية الماهرة، وعدم توفر الكفاءات البارعة، في إشارة إلى نقد الإقبال على برامج درجة الدكتوراه في العلوم النظرية والإنسانية، وإهمال أو ترك الإقبال على البحث في العلوم الفنية والتطبيقية والتقنية لتلبية حاجة سوق العمل في المجتمع، والبعض الآخر يرى أنَّ أطروحات الدكتوراه في موضوعات الشريعة والقضايا الإسلامية المعاصرة تحصيل حاصل؛ لأنّ معظم الأطروحات مهما كانت موضوعات الشريعة والقضايا الإسلامية المعاصرة التي تتناولها تستند دائماً في مراجعها على مذهب أهل السنّة والجماعة، ومراجع أعلام السلف الصالح، وأقوال جمهور العلماء؛ ونتائج أطروحات الدكتوراه لا تعارض أقوالهم ولا تنافي مذهبهم، لأنّ أطروحات الدكتوراه مهما كانت نتائجها البحثية مبتكرة يجب أن تكون في جميع الأحوال متفقة معهم؛ ووجود اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية يغني عنها؛ لأنها ألقت بلالها على أعمال البحث العلمي فأصبح منهلاً لطلبة العلم، ومرجعاً لأُطروحات الدكتوراه التي يجب أن يقتصر منحها على الطلبة اللامعين المؤهلين للتدريس في الجامعات؛ لأنها إحدى اللجان العلمية المعتبرة في العصر الحاضر والمتمسكة بنهج النبي صلى الله عليه وسلم وتسير على نهج أهل السنّة والجماعة والسَّلف الصالح من الأمة، وتضم نخبةً من كبار أهل العلم في المملكة، ولها مصداقية عالية في الأوساط العلمية والإسلامية، وأثنى عليها جمعٌ من طلبة العلم والعلماء من مذهب أهل السنّة والجماعة، ولها جهود كبيرة في إصدار الفتاوي وبيان الأحكام الشرعية للناس المتعلقة بجميع شؤون الحياة في المجتمع، وقد يسّرت اللجنة تقديمها إلى الناس من خلال الاتصال الهاتفي أو عبر بوابتها الإلكترونية وبلغاتٍ مختلفةٍ، وقد تم جمع الفتاوي الصادرة عن اللجنة فخرجت المجموعة الأولى في ستة وعشرين مجلداً، وخرجت المجموعة الثانية منها في أحد عشر مجلداً، وهي من أهم المراجع التي يستفيد منها الناس وطلبة العلم اليوم للنظر في المسائل الفقهية المعاصرة.
الخلاصة:
يجب دفع طلبة العلم إلى التأهيل العالي في المجالات الفنية والعملية التي تدفع عجلة التنمية والتقدم والتطور.