وقد كانت المملكة في مقدمة دول المنطقة التي أنشأت مجلس أمن وطني منذ أكثر من عقدين من الزمن، ثم تم مؤخراً إعادة تنظيمه وتفعيله باعتباره هيئة استشارية تتولى البحث في الشؤون الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتقديم الدراسات والبحوث الاستراتيجية بشأنها بما في ذلك دراسة الأحداث والتطورات والمستجدات على الصعيدين الداخلي والخارجي وتقويمها للخروج بما يخدم الأمن الوطني بأبعاده المختلفة، علاوة على رسم الاختصاصات وتحديد المسؤوليات بالنسبة للأجهزة الأمنية والسيادية والتنسيق فيما بينها، وعمل كل ما من شأنه المحافظة على تماسك المجتمع وتثبيت أركان الدولة وحماية حدودها من أي تهديد خارجي، اياً كانت طبيعة هذا التهديد ونوعه ومصدره والبعد الأمني الذي يستهدفه.
ونظراً لما تمر به المنطقة العربية من أزمات خطيرة وتحولات مثيرة ذات أبعاد متعددة وتطورات متجددة، ألقت بظلالها على حاضر ومستقبل هذه المنطقة وخريطتها الجيوسياسية فإن دولها أصبحت تواجه جملة من التحديات والتهديدات وتخضع لتغيرات جذرية وحاسمة لها تأثير مباشر على أمنها الوطني والقومي، وذلك بسبب الأعمال الإرهابية والتدخلات الخارجية والأطماع الإقليمية والدولية، وما ترتب على هذه الممارسات من وجود حالة من الانهيارات الحادة في النظام العربي ومنظومة الأمن الإقليمي واختلال التوازنات الاستراتيجية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
وتحدث هذه الحالة والأمن القومي العربي يعيش أسوأ حالاته ونقاط ضعفه باتت مكشوفة في مختلف أبعاده ومجالاته العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل إن هناك من قد يحلو له أن يصف الحالة بالقول إن ثمة خطاً للأمن شبيهاً بخط الفقر وإن معظم الاقطار العربية تقبع تحت خط الأمن، أياً كانت معايير قياس هذا الخط، والمملكة تعلم علم اليقين أنها في عين الحدث وبؤرة الاستهداف وأمنها الوطني جزء لا يتجزأ من الأمن العربي والإسلامي، خاصة وأن قدَرها وقدْرها جعلاها في موقع القيادة بالنسبة للأمتين العربية والإسلامية حيث تتبوأ مكانة محورية في محيطها العربي والإسلامي، وتملأ فراغاً قيادياً وتلعب دوراً أساسياً داخل ذلك المحيط بحكم مركزها الديني ووزنها السياسي وثقلها الاقتصادي وموقعها الإستراتيجي ودورها القيادي، مما يؤهلها لأن تكون دولة محورية وقوة أساسية في المنطقة.
وعلى هذا الأساس فإن المسؤوليات التي يضطلع بها مجلس الأمن الوطني والمهام التي تناط به، تستمد قيمتها وأهميتها من طبيعتها الوطنية والقومية وطابعها الأمني أولاً، وثانياً من كون المجلس يمثل الجهة الاستشارية الأولى بالنسبة لقيادة الدولة التي تزودها بالمعلومات والاستشارات، وترسم لها الإستراتيجيات، وتحدد أمامها الخيارات، كما أنه يعتبر نقطة مرجعية تنطلق منها الاهتمامات الوطنية والأمنية، وتلتقي عندها المؤسسات المسؤولة عن هذه الاهتمامات، بالشكل الذي يخدم التعاون والتنسيق بين المؤسسات القائمة على الأمن الوطني والقومي بغية تبنّي استراتيجيات ناجحة ووضع سياسات فاعلة على المستويين الداخلي والخارجي، علاوة على توزيع الأدوار وتنسيق المهام في سبيل تفعيل الاستراتيجيات وتنفيذ السياسات.
وعلى ضوء ذلك فقد آن الأوان لحشد الامكانات الممكنة وتسخير جميع مؤسسات الدولة وعلى رأسها مجلس الأمن الوطني من أجل مواجهة المخاطر القائمة والتحسب لتلك القادمة بالإضافة إلى إجراء تصنيف دقيق وغربلة شاملة للأولويات الوطنية والأسبقيات الأمنية واستنفار كافة القوى في سبيل ذلك، باعتبار الأمن الوطني والقومي يختص بكل المجتمع بمختلف أطيافه وشرائحه في إطاره النظامي الذي تمثله الدولة، والتي يمارس المجتمع من خلالها واجباته ويؤدي مسؤولياته تجاه هذا المفهوم المركب الذي يحتوي على العديد من المتغيرات والأبعاد.
وبما أن النظام الباطني الصفوي نجح في ركوب موجة الإرهاب، مسوقاً لمشروعه الطائفي، ومقترفاً جرائم القتل وممارسات التهجير والتدمير في عدد من الدول العربية عن طريق استغلال مكافحة الإرهاب الذي يغذيه ويرعاه، بحيث جعل منه ذريعة يتذرع بها ومشجباً يعلق عليه اقترافاته، ومتخذاً من التشيع السياسي والأذرع العميلة سلماً يصعد عليه لتنفيذ هذه الاقترافات، ونتيجة لهذا كله فإن المملكة قطعت على نفسها عهداً بأن تكون في مقدمة الصفوف للوقوف في وجه المد الصفوي الذي أصبح يهدد الأمة في دينها وأمن أوطانها بعدما استبان للجميع خطورة الزحف الرافضي وارتباط نظام الملالي بالإرهاب والصهيونية والقوى المعادية للإسلام، وما قطع المملكة لعلاقاتها مع هذا النظام إلا خطوة متقدمة في هذا الاتجاه لقطع الطريق على النظام الباطني الذي يرعى الإرهاب ويدعي مكافحته، ويعيث في الأرض فساداً متجنياً على الدين وعابثاً بأمن المسلمين.
وهناك حقيقة مدلولها أن العاقل يعرف الأمور وهي لا تزال مقبلة، وإذا ما أدبرت عرفها العاقل والجاهل، وبتطبيق هذه الحقيقة على الواقع القائم، فمن هذه الأمور ما أصبح في حكم المدبر وتداعياته تنعكس على الحاضر وتتصل بما هو قادم، كما أن منها ما هو حاضر، ومنها ما يزال مقبلاً والمحرك لهذه الأمور هم رعاة الإرهاب وأدواته والرعاة والأدوات هما وجهان لعملة واحدة، تمثل التنظيمات الإرهابية وجهها الأول، ويمثل النظام الصفوي ووكلاؤه ومَنْ يقف خلفه من قوى الشر والغدر وجهها الثاني.
ونظراً لما طرأ على الموقف في اليمن من متغيرات، وما اعتراه من جمود واستهلكه من وقت، وكذلك تعقيد الحالة العراقية وتحوّل الموقف فيها لصالح التشيع الطائفي والنفوذ الإيراني على حساب المكون السني والانتماءين الوطني والقومي، وما آلت إليه الحالة السورية والوضع في لبنان، مما يؤكد أن ليل المواجهة طويل وكثيبها مهيل، ومن هنا فقد قامت المملكة بمراجعة حساباتها وإعادة ترتيب أولوياتها، وبذل كل طاقاتها المعنوية والمادية تحسباً لأسوأ الاحتمالات، مع الأخذ في الاعتبار متغيرات الأمن الوطني والقومي والمفهوم المركب لهذا الأمن، وما يتطلبه من الموازنة والمزاوجة من حيث الأهمية والاهتمام.
ومما لا يختلف عليه اثنان أن تأمين الحدود ضد أي عدوان خارجي وضمان الأمن الداخلي هما أولوية قصوى لا تقبل المساومة ولا أنصاف الحلول، ومن هذا المنطق فإن التصدي للنظام الصفوي الإيراني وافشال مخططه التآمري وكبح جماح مشروعه الطائفي وتحجيم عملائه ووكلائه في المنطقة يعتبر ذلك أولوية وطنية وأسبقية أمنية لا يدانيها أي أسبقية أخرى بوصف معالجة المرض كفيلة بالقضاء على العرض ونظام الملالي يرعى الإرهاب ويمارسه، فضلاً عن أنه لم يترك طريقاً عدائياً الا طرقه ضد الأمة العربية، وممارساته المستترة عبر وكلائه تلتقي مع تدخلاته الظاهرة واستهدافاته السافرة، الأمر الذي أصبح معه تهديده لأمن المملكة والأمن الخليجي والأمن القومي العربي يفوق أي تهديد إرهابي، بصرف النظر عن مصدره وحجم خطره، حيث يرعى التنظيمات الإرهابية ويمولها من جهة، ويشترك معها في التخطيط والتنفيذ من جهة أخرى.
ولمواجهة المد الصفوي والزحف الرافضي في اليمن انطلقت عاصفة الحزم بعد أن حزمت القيادة السعودية أمرها، ونفد صبرها، وما هي الا مدة زمنية قصيرة حتى أنجزت الحملة الجوية مهامها القتالية بنجاح، وحققت جانباً من الأهداف العسكرية والسياسية، وبفضل هذه الحملة الجوية، وما رافقها من عمليات برية، وارتبط بها من أنشطة عسكرية وسياسية وإنسانية أصبحت قوة اليمن الوطنية والمقاومة الشعبية قاب قوسين أو أدنى من النصر، ولكن هناك من أراد لهذه الحرب أن تطول وفعلت هذه الإرادة الظالمة مفعلوها وحققت هدفها بإطالة أمد الحرب بسبب الضغوط الخارجية.