نجيب الخنيزي
تمر علينا اليوم الذكرى الخامسة عشرة على الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له الولايات المتحدة في 11سبتمبر 2001، وفي محاولة لتظهير الأسباب والعوامل التي شكلت خلفية تلك الأحداث، طرحت القضية: على ان التناقض الرئيسي في العالم بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي وتحقيق الانتصار النهائي لليبرالية الغربية انتقل وتموضع في إطار عالمي جديد للصراع، يتمثل في تنافس وصراع الحضارات وفقا لصموئيل هنتنجتون وغيره من أيديولوجي الليبرالية الجديدة، ومع أن هنتنجتون حدد (8) نماذج حضارية مرشحة للتنافس والصراع، غير أنه اعتبر أن شكل تجلي هذا التناقض الرئيسي في هذه المرحلة التاريخية يتحدد بين الحضارة الغربية وما تمثله من خيارات ومنجزات وقيم، وبين الحضارة الإسلامية التي تمثل النقيض. ومع أن هذا الطرح الايديولوجي الفاقع يناقض أطروحات غربية أخرى (فوكوياما) ترى بأن نهاية التاريخ قد اكتملت بالانتصار النهائي للرأسمالية على المستوى العالمي رغم الإقرار بوجود أنماط هامشية ما قبل الرأسمالية في بعض البقاع الثانوية والمعزولة، وهذا الانتصار أنهى وجود الايديولوجيا بوجه عام لصالح الليبرالية والبراجماتية (النفعية) الاقتصادية. هذا البعد الايديولوجي والاستقطاب العقائدي المشبع بالمركزية الغربية والأمريكية تحديدا، والذي يعبر عن غطرسة القوة والهيمنة لم ينتف أو يضعف على الإطلاق في الخطاب الأمريكي بل تصاعد مع العولمة التي يطلق عليها الأمركة من قبل نقاد ومناهضي العولمة وسيطرتها المطلقة على مقدرات الشعوب والمجتمعات قاطبة. وقد اتخذ هذا الخطاب الايديولوجي أبعادا خطيرة بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية لاقترانه بتنفيذ سياسة هجومية ذات أبعاد عسكرية وأمنية وسياسية وثقافية اختزلت هذه الايديولوجيا في مقولات ايديولوجية صارخة ومباشرة على غرار «زلة» اللسان التي تفوه بها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن حول الحرب الصليبية.. أو تساؤله لماذا يكرهوننا؟ ويجيب لأنهم يكرهون حريتنا وثراءنا وقيمنا.
وأخذت الإدارة الأمريكية في عهده تقسم العالم إلى أبيض أو أسود وأن «من ليس مع الولايات المتحدة ضد الإرهاب فهو ضدها» وأن المعركة هي بين الأخيار (الولايات المتحدة والغرب) والأشرار (الإرهابيين أو العرب والمسلمين) ومع أن الغرب والإدارة الأمريكية وخصوصا في عهد الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، حاولت التفريق بين الإرهاب من جهة، والإسلام والمسلمين والعرب من جهة أخرى ودعت إلى احترام وحماية العرب والمسلمين المهاجرين غير أن مجمل التشريعات والقوانين الجديدة لمكافحة الإرهاب كانت موجهة في المقام الأول ضد العرب والمسلمين ومنظماتهم وتجمعاتهم داخل الولايات المتحدة وخارجها، ولا ننسى الدور الذي مارسته تجمعات ومراكز التوجيه والتأثير الإعلامي والاقتصادي والسياسي الواقعة تحت تأثير المحافظين والمسيحيين الجدد واللوبيات اليهودية والصهيونية في استغلال أحداث 11 سبتمبر ورسم صورة نمطية سوداء عن العرب والمسلمين «المتعطشين للدماء والمعادين للحضارة الغربية وقيمها» وتحميلهم وبخاصة المهاجرين منهم، وزركل ما يعتمل ويمور في مجتمعات الغرب من تناقضات وأزمات مثل تفاقم البطالة والفقر وتدني مستوى الأجور وتفشي العنف وانتشار المخدرات والجريمة المنظمة وهو ما أسهم في تصدر التنظيمات والقوى اليمينية والعنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية (ظاهرة دونالد ترامب) والغرب عموما من خلال خطابها الشعبوي العنصري والتحريضي ضد الأجانب وفي مقدمتهم العرب والمسلمون. وفي المقابل فإن قوى التطرف والتكفير والتنظيمات الإرهابية التي تنشط تحت العناوين الإسلامية التي باتت تحتل صدارة المشهد العالمي لما تقوم به من ممارسات وتصرفات تتسم بالعنف والإرهاب والوحشية أسهمت بدورها في رسم هذه الصورة المشوهة عن العرب والمسلمين، وهي تشكل الوجه الآخر للعملة ذاتها.