م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني
جاءت رؤية وزارة الشؤون البلدية والقروية التي استعرضها معالي وزير الشؤون البلدية والقروية 2030 منسجمة مع الرؤية الشاملة للمملكة والتي تحمل في تفاصيلها الدقيقة الكثير من الأساليب التي تؤدي في النهاية إلى الوصول بمدننا وقرانا إلى مستوى عالمي متميز يهتم بساكن المدينة ويوفر له الخدمات التي تلزمه وتتوازى مع إنسانيته التي خصه الله بها دون سائر المخلوقات، وهذه الخدمات بحاجة إلى حكمة في الإدارة واختيار الأكفأ لمثل هذه المرحلة والعمل بخطة استراتيجية طموحة فنحن لدينا أزمة إدارة للموارد أكبر من أن يكون لدينا أزمة فنية والعمل البلدي بطبيعته عمل مركب من عدة أعمال في وقت واحد ويتداخل مع كثير من المجالات بما لا يوجد في الأعمال الأخرى، فأعمال البلديات تدخل في كل مجالات خدمة الإنسان فهي تدخل في صحته، حيث تراقب الغذاء اليومي في المدينة، وهي التي تكون بيئة صحية نظيفة، وهي التي تراقب تنفيذ المساكن بحيث تناسب حياة الإنسان، وهي التي تضيء المدن أو تجعلها ظلاما دامسا تسود فيه الجريمة، وهذا يوضح الدور الأمني الهام للبلديات، وهي التي توجه التنمية العمرانية للمدن وتحددها وترسم اتجاهاتها وبدون ضبط لهذه التنمية فستصبح المدن في (فوضى تنموية) وتعارض وتداخل للنشاطات يؤثر على ساكن المدينة والمستثمر فيها، والبلديات هي التي تراقب بناء المدينة فلا بناء بدون ارتدادات وارتفاعات تسمح للهواء بأن يتخلل كتلتها العمرانية ويسمح للسيارات والمشاة بالمرور ويقلل من خسائر حوادث الحرائق بإذن الله، والبلديات هي التي تجعل من شوارع المدن جميلة رائعة بسفلتتها لمرور السيارات وحفظها من التلوث بالغبار والأتربة وتحسينها وتأمينها بأرصفة للمشاة وإنشاء تقاطعات وميادين عامة للحياة اليومية، وهذه النشاطات تستحق وزارة مستقلة لوحدها نظراً لتشعبها وضخامتها، ولكن كفاءة معالي الوزير من خلال عمله في المشاريع المليارية في تطوير البنية التحتية لأكبر مدينة في الجزيرة العربية بل في المنطقة العربية كلها ونظرته البعيدة ستكفل بإذن الله تناغم هذه النشاطات وتكاملها بإعادة هيكلتها واستحداث بعض الإدارات الخاصة و(هندرة) بعض أعمال الوزارة بمعنى إعادة هندسة بعض الأعمال الإدارية واختصار كثير من الإجراءات الروتينية التي تعيق كثيرا من الإنجازات.
وفيما يلي أسوق عددا من المقترحات التي آمل دراستها لتطوير أعمال البلديات التي بدأت تتضخم وتزداد مع ازدياد الكثافة السكانية والعمرانية للمدن:
وكالة للوزارة (للنقل)
ظهرت في السنوات الأخيرة ظاهرة (الازدحام المروري) في المدن وقد ظهرت هذه المشكلة فجأة وأربكت نمو المدن، ويعود السبب الرئيسي لها إلى اختلال المعايير التخطيطية التي انتهجت في تخطيط المدن والتي تركز فقط على (نسب المرافق العامة) ولا تخطط للنقل ووسائط النقل إطلاقاً فعروض الشوارع عشوائية أو ثابتة في معظم الأحيان، ولا مواقف للسيارات، والدوارات توضع في أي تقاطع سواء كانت أبعاده مناسبة أو غير مناسبة، ولا خطوط للنقل بالحافلات ولا بدائل للسيارات، ولا حتى مسارات للدراجات، وغاب (تخطيط النقل) غيابا كاملاً عن المخططات التي تعتمد باستمرار، وألقي العبء كاملا على وزارة النقل التي تهتم بالنقل بين المدن ولا تهتم بما قامت البلديات ببنائه، حيث إن وزارة الشؤون البلدية هي المسؤول الأول عن (استعمالات الأراضي فهي التي تعتمد المخططات وتحدد اتجاهات النمو وشخصيا فإننى أرى أن المشكلة الرئيسية للنقل هي بسبب عشوائية تحديد استعمالات الاراضي والتي لا يحكمها سوى عامل واحد هو (توفر الأرض) الذي كان سببا في ان يكون السكن في جهة وموقع العمل في جهة ويربط بينهما طريق واحد يزدحم يوميا بالحركة فمابالكم لوكان موقع العمل أو الدراسة هوموقع السكن أو بالقرب منه فهل ستزدحم طرقنا. ولهذا فإنني أقترح إنشاء (وكالة للنقل) في الوزارة تأخذ على كاهلها المشكل الكبير الذي تواجهه مدننا، وتقوم بوضع مخطط كبير لتطوير النقل المحلي داخل المدن شاملا التخطيط لاستعمالات الأراضي والذي يجب أن يبدأ بالتخطيط للنقل أولا وقبل كل شيء فلو لم تخترع السيارات لما كان هناك أهمية للشوارع الفسيحة في المدن ولا اهمية للكباري أو الاشارات الضوئية، ومن مهام هذه الوكالة إنشاء شبكات داخل المدن للنقل المحلي (باصات، قطارات خفيفة (LRT)، محطات النقل، مترو) وطرحه أمام شركات استثمارية لأن الاستثمار في هذا المجال هو استثمار منتج وليس استثمارا استهلاكيا مثل فتح سلسلة مطاعم أو أسواق تجارية بل هو استثمار منتج لفرص العمل ولاقتصاد المدن، حيث تسهل حركة الأفراد والبضائع بين انحاء المدينة ويقل التلوث الناتج عن حرق آلاف السيارات للبنزين الذي يهدر في أجواء المدينة بينما كان بالإمكان الاستفادة من عائداته بتصديره.
وكالة للوزارة (للمشاريع)
تشهد مشاريع البلديات تأخراً وتعثرا كبيرين في سنوات الطفرة وعدم قدرة على الإشراف الفني الاقتصادي المرتب الأولويات في سنوات الشح في الإنفاق وتقليص حجم المشاريع وهذا نتج من عدة عوامل أهمها:
عدم وجود أنظمة قوية لسوق المقاولات وللمقاولين الذين هم الذراع التنفيذي للمشاريع البلدية، بل فتح المجال لسوق رديء جدا من المقاولات التي هدفها تكوين ثروة والتكسب المادي من هذا السوق، ونظام (تأمين مشتروات الحكومة وتنفيذ مشروعاتها) لا يعالج هذه النقطة، وحتى نظام التصنيف لا يضع شروطا فنية دقيقة لذلك ولا حتى شروطا مالية، فبإمكان مؤسسة تملك معدات متهالكة وليس لديها رأس مال ان تكلف بتنفيذ مشروع ضخم يتطلب آلات حديثة وسريعة وطاقما فنيا عالي التأهيل وقدرة مالية كبيرة، وهذا يمكن حله بسعي الوزارة إلى تأسيس شركة مقاولات بدمج المؤسسات الصغيرة وتملك الوزارة لجزء كبير من أسهم هذه الشركة، وتبنيها الوزارة بنفسها وتكون طواقمها التنفيذية، وهذا مما يقضي على الفساد المالي والإداري الذي يصاحب ترسية وتنفيذ كثير من المشاريع، ويكون ذراعا تنفيذية لمشاريع الوزارة التي تتعثر بسبب رئيس هو عدم وجود مقاول كفؤ لديه القدرة الفنية والمادية لإنجاز وتنفيذ الكم الهائل من مشاريع الوزارة وخاصة مشاريع الطرق والجسور والمنتزهات العامة والتي هي الخدمة الرئيسية التي تقدمها الوزارة، ويكون لهذه الشركة فروع في كل منطقة، وتقوم باستقطاب المقاولين المنفذين لمشاريع البلديات بعقود من الباطن، حيث إن المشكلة الرئيسية لدى كثير منهم عدم وجود القدرة الفنية لديهم وخضوعهم لعقود (إذعان من البلديات) ويكونون ضحية سهلة للفساد الاداري، والبيروقراطية التي يفرضها إهمال الموظف الحكومي وتهربه من المسؤولية بفرض قيود مجحفة على المقاول.
المهمة الرئيسية للوزارة هي الإشراف على تنفيذ المشاريع ووضع المواصفات والشروط الفنية الدقيقة لتنفيذها ومتابعة ترسيتها واستلامها وأوكلت جزءا كبيرا من هذه المهمة إلى الامانات والبلديات بهياكلها وطواقمها الضعيفة وغير المتمكنة، ووكالة الوزارة للشؤون الفنية لا يمكنها بطبيعة الحال متابعة وضبط إيقاع سير هذا الكم الهائل من المشاريع ومهمتها الرئيسية تتمثل في مراجعة شروط ومواصفات المشاريع الكبرى قبل طرحها بغض النظر عن تنفيذها وتأخرها وتعثرها ولهذ فإنني أقترح تأسيس وكالة بمسمى (وكالة وزارة الشؤون البلدية والقروية للمشاريع) تأخذ على عاتقها تأسيس بنية فنية دقيقة للمشاريع ومواصفاتها، ويكون من مهامها ضبط ايقاع تنفيذ المشاريع وعدم ترك اولوياتها وأساليب تنفيذها لاجتهاد البلديات الذي ينتج تنمية غيرمنضبطة ولابد من استخدام (الإدارة الهندسية المركزية) عن طريق طاقم كبير ومؤهل من المهندسين السعوديين الذين يقومون بإشراف (شبه مركزي) على المشاريع البلدية مثل تحديد الأولويات، الجودة وأسسها، المشاريع المتعثرة والمتأخرة التي تظل عبئا كبيرا على مهندسي الأمانات والبلديات وتأخذ وقتا روتينيا طويلا لحلها ولا بد من وجود (غرفة عمليات دائمة) في هذه الوكالة لمتابعة برامج تنفيذ المشاريع وملاحظة أي انحراف فيها واتخاذ قرارات فورية لها، وأنا هنا لا أدعو إلى المركزية الكاملة في إدارة المشاريع بل إلى الإدارة المركزية الرقابية التي تتابع ولو عن بعد ايقاع تنفيذ وجودة المشاريع وطرق تنفيذها وترسيتها، أما المراقبة الميدانية فتكون من اختصاص البلديات بعد تعديل هياكلها الإدارية والفنية ودعمها بالخبرات اللازمة.
تطوير الكوادر الفنية للأمانات والبلديات (المهندسين والفنيين)
تضم وزارة الشؤون البلدية والقروية أكبر عدد من المهندسين والفنيين حيث لا تخلو أي مدينة أوحتى قرية من بلدية تقدم خدماتها لتجمع سكاني محدد، ولكن هولاء وخاصة المهندسين يتسربون بأعداد هائلة من الأمانات والبلديات بعد أن يفاجأوا ان لا حوافز معنوية أو مادية تدعوهم للاستمرار في إدارة مشاريع تتطلب جهدا استثنائيا ومميزا للتعامل معها ومسؤولية كبرى لتحملها في حين توجد شركات توظفهم مقابل حوافز مادية مغرية لهم ترتبط ارتباطا وثيقا مع مايحققونه من إنجازات للمشاريع.
وعلى هذا الأساس فمن الممكن إقرارحوافز استثنائية في هذه المرحلة تشعل روح التنافس بين المهندسين وتدفعهم للإبداع والاهتمام وتسد الطريق أمام الفساد الذي أهدركثيرا من المشاريع ومع عدم وجود حوافز اهدركثيرا من مشاريعنا وجعلها تتبدد سرابا خادعا ولمعانا مزيفا، وأثق انه في حال وجود حوافز مادية ومعنوية وجزائية في اتجاه مضاد وهذه الحوافز والتي تمثل مهما زادت نسبة لا تمثل أكثر من 5% من الاعتمادات المالية للمشاريع وأرى انه من العقل والمنطق ان يتم اقرار هذه الحوافز بدلا من الضياع والهدر الذي يفوق هذه النسبة بكثير، وهذا لاشك يصب في مصلحة الوطن وتطوره واقل هذه الحوافز اعتماد (الكادر الهندسي).
تطوير الاستثمارات البلدية وإنشاء وكالة للاستثمار والموارد
من أهم بنود الرؤية في 2030 تطوير الموارد الذاتية للامانات من خلال تطوير (الاستثمار الكامن) في المدن وذلك بتطوير البنية الاستثمارية للمدن بما يضمن العيش الرغيد للإنسان في المدينة وتوفير الخدمات له بسعر يوازي ما ينفقه وخاصة تطوير البيئة المعيشية للمدن وتطوير المرافق السياحية التي يمكن أن توفر دخلا للأمانات مقابل تخفيض الاحتكار والغلاء الفاحش في بعض الخدمات مثل المنتزهات والترفيه ووسائل النقل العام.
إن كثيرا من مدن العالم المتطور تمول نفسها بنفسها أي انها تقدم خدمات متطورة بمقابل مالي تستثمره في تطوير المدينة وصيانتها وتشغيلها والاعتماد على الدولة في التمويل سيشكل عبئا كبيرا على المدن تصعب إدارته والاستمرار فيه وأعتقد ان المستخدمين لمرافق المدن مثل الطرق والمواقف ووسائل النقل والنظافة وغيرها على استعداد تام لدفع رسوم بشرط تقديم خدمات مريحة فهو على استعداد لدفع مقابل موقف لسيارته في مكان مناسب وآمن وهو على استعداد لدفع رسوم مقابل وهو على استعداد للدفع مقابل وسيلة نقل مريحة يجدها في أي زمان ومكان، وهو على استعداد للدفع مقابل طعام وماء صحي ونظيف وهو على استعداد للدفع مقابل منتزهات وحدائق راقية ونظيفة وأعتقد أنه حان الوقت لتخصيص خدمات المدن باستثناء إنشاء الطرق والجسور والأنفاق والمشاريع الضخمة التي تحتاج إلى تكاليف كبيرة لإنشائها.
أثق في اهتمام معالي المهندس آل الشيخ بمثل هذه الآراء وأثق ان في جعبته الكثير لتطوير مدن المملكة وقراها حسب الرؤية الطموحة في 2030.