د.عبد الرحمن الحبيب
الخطاب العدواني والممارسات الإيرانية العدائية ضد المملكة ليست جديدة، لكن تصعيد لهجة هذا الخطاب لدرجة غير مسبوقة هو الجديد.. وربما يرجع لحجم الفشل الذريع لممثلي النظام الإيراني الذي أوصلته إلى منع مواطنيه من الحج بعد مفاوضاتهم مع المسؤولين السعوديين.. كيف؟
إيران اعتادت على نوع من الحلم السعودي في مفاوضات الحج معها، وظنت أن السعودية ستتنازل متوقعة أن السعودية لا تريد أن تظهر بمظهر من يمنع الحجاج الإيرانيين، لكن تبخر هذا التوقع.. فالسعودية لم تتنازل عن شروط الالتزام بأمن الحجاج ومقومات الحج وإبعاد هذه الشعيرة الدينية عن الغوغاء السياسية والممارسات التي تهدد أمن الحجاج.. ومن ثم فالحكومة الإيرانية قررت منع مواطنيها من الحج، وليست الحكومة السعودية كما تدعي إيران، بل أن السعودية ردت على قرار الحكومة الإيرانية بأن سمحت للمواطنين الإيرانيين الذين يرغبون في الحج من دول أخرى دون الحاجة إلى موافقة حكومتهم، وقد وصل بالفعل حجاج إيرانيون من بلدان مختلفة..
إنها ضربة مزدوجة! إذ تم حرمان النظام الإيراني من الاستغلال السياسي للحج وإقحام السياسة في الدين، وفي نفس الوقت سمح للإيرانيين بالحج دون موافقة حكومتهم التي منعتهم.. هنا، استشاطت الحكومة الإيرانية غضباً وصعدت خطابها العدائي.. وللمفارقة الطريفة، اتهمت السعودية بأنها تسيس الحج.. تهمة طريفة لأن هذا بالضبط ما تفعله إيران وليس السعودية التي دائما تحذر من ذلك وتمنعه.. فسبق في مواسم حج مختلفة أن قام الحجاج الإيرانيون بمظاهرات غوغائية وشعارات سياسية يحركهم عسكريون من الحرس الثوري، وأشهرها تلك التي حصلت عام 1987..
من بين كل الدول المسلمة فحكام إيران وحدهم من يسيس الحج حتى صار نمطاً معتاداً لتصدير أزماتهم الداخلية.. وإيران وحدها من كل دول العالم من تشجع مواطنيها على الهجوم على السفارات.. بل إيران نفسها لا تتوانى عن الافتخار علناً وبشكل رسمي بدعمها لمنظمات تعد إرهابية في المنظومة الدولية، فضلاً عن تفجيرات ومحاولات اغتيال ثبت قضائياً في المحاكم الدولية أن مدبرها منظمات رسمية في إيران.. وحتى على المستوى الاقتصادي فإيران أكبر دولة متهمة بغسيل الأموال..
فنظام الملالي يعتمد بقاؤه على تصدير الثورة الخمينية وإثارة الاضطرابات بالمنطقة.. وفي أي ثغرة إقليمية أو مناسبة يحاول تصدير قلاقله الداخلية لإحكام قبضته في الداخل المتأزم.. واتهام أعداء الخارج بأنهم سبب الأزمات الداخلية، لتبرئة سياسات النظام الإيراني.. فاستقرار إيران يعني تحسن مواقع مؤسسات المجتمع المدني فيها والانفتاح على العالم ومؤسساته الدولية والانصياع للقانون الدولي وتشكل جبهة المطالبات الداخلية ومواجهة إيديولوجيا نظام الملالي ومن ثم بداية نهايته...
حتى هذه اللحظة فإن نظام الملالي لا يريد الانفتاح على العالم، خذ مثلاً بعد مرور أكثر من عام على توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5 + 1، بث التلفزيون الإيراني قبل أيام شريطاً دعائياً معادياً بحدة لأمريكا، تظهر عليه سفن حربية أمريكية يبتلعها مدّ بحري سببه قوة المشاعر الوطنية للشعب الإيراني! لماذا تفعل إيران ذلك بينما المتوقع، على الأقل دبلوماسياً، تخفيف التوتر مع أمريكا؟ يجيب على ذلك المحلل السياسي الإيراني مرتضى كاظميان المقيم في باريس، بأن السبب هو «أن الخطاب المعادي للولايات المتحدة هو عماد جمهورية إيران الإسلامية، ويتم استخدامه لتبرير كل مصائب البلاد على الإطلاق، سواء تعلق الأمر بالأزمات المالية أو بنسبة الطلاق.. (فرانس24).
لا تكتفي إيران بالخطاب الدعائي العدواني بل أيضاً قامت مؤخراً بممارسات استفزازية في الخليج.. يقول مدير برنامج الخليج في معهد واشنطن سايمون هندرسون: «نظراً للتقارير الأخيرة عن المناورات العدوانية التي قامت بها وحدات الحرس الثوري الإيراني في الخليج، فإن الدخول في مواجهة مع القوات الأمريكية أمراً ممكناً أيضاً. ووفقاً لذلك، فإن رد واشنطن على زيادة التوترات [بين السعودية وإيران] يجب أن يشمل عناصر دبلوماسية وعسكرية، مثل إيفاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أو مسؤول آخر رفيع المستوى إلى المملكة في الوقت الذي يتم فيه تعزيز الأسطول الخامس بشكل واضح. ولن يأمل حلفاء أمريكا في المنطقة بشيء أقل من ذلك. ومن دون قيام رد كبير من قبل الولايات المتحدة، فمن المرجح أن تميل المملكة العربية السعودية إلى النظر في مسار عمل أكثر استقلالية وربما أكثر خطورة».
من نحو سنة، والحديث يجري أن في إيران متشددون سلوكهم عدواني مع المجتمع الدولي وإصلاحيون يبحثون عن علاقات دولية طبيعية.. لكن لم نر لا في الخطاب السياسي الإيراني ولا في الممارسات ما يبشر بإقامة علاقات طبيعية إقليمياً أو دولياً.. واندماج إيران في المجتمع الدولي يبدو وعراً طويلا إن لم يكن مسدوداً على المدى المنظور، إذ يبدو أن في إيران متشددون جداً ومتشددون عاديون وليس إصلاحيين.. وإلى أن يحين ظهور إصلاحيين يرغبون في سلام مع الجيران والمجتمع الدولي والتركيز على التنمية الداخلية للإيرانيين لصالح خير الجميع، فإن منطقة الخليج سيستمر فيها التوتر.. أما غياب حجاج حكومة إيران فلا يلام بها سوى التعنت الإيراني..