عبدالعزيز السماري
لم يأت مؤتمر غروزني من فراغ، فالتاريخ الإسلامي مشحون بالإقصاء والنزاعات العقدية إلى درجة الفشل والانهيار، وقبل أن أخوض في عجالة في تلك المتاهات أود التذكير بأن أول ندوة في هذا العصر ضد السلفية كانت في القاهرة في عام 2010، أثناء حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك..
كان شعارها «الوهابية أخطر من الصهيونية»،، وتساءلت حينها في مقال منشور عن سر الموقف المتجدد من الأشاعرة تجاه التيار الحنبلي السلفي، وهل له علاقة باجتياح السلفية للمجتمعات الإسلامية، وانتشار ظواهر التعصب والتطرف والعنف.
كان أشهر خلاف عقدي في تاريخ المسلمين ما حدث في البدء عندما ادعى شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لاحقاً، أن ولايته ركن من أركان الإسلام، وبعد مقتل الحسين بن علي، تمادى أنصاره إلى ما نشاهد كل عام في احتفالات كربلاء، وأصبح الحسين بن علي الرسول الأعظم، وتم استعارة المشهد المسيحي في الصلب من أجل مزيد من الانشقاق.
كان هناك تطور آخر وفي اتجاه مختلف، وهي فتنة التكفير في الصراع السياسي، وإعلان بدء الكلام في ماهية الله عز وجل وصفاته، وذلك عندما تجرأ بعض القرّاء على الحق الإلهي في تكفير كبار الصحابة، ولم يتوقف العقل منذ ذلك العصر عن البحث في السماء عن الحلول السياسية، فكانت فتنة خلق القرآن إيذاناً ببدء مرحلة مريرة من التاريخ الإسلامي،.
استغل المأمون الخلاف العقدي في مسألة خلق القرآن للتنكيل بأهل الحديث، وهو أمر يستمد جذوره من قضية الجبر السياسي، وهل كل شيء كان مكتوباً من قبل في اللوح المحفوظ، وهو ما يعني الاستسلام والرضوخ لقدر الله عز وجل، أم أن المسألة حرية اختيار للإنسان، كما يطرحها مثقفو المعتزلة.
تدخل المتوكل ليوقف امتحان الناس في عقائدهم، وذلك عندما أطلق أحمد بن حنبل من محنته، لكن القادر بالله وضع الأسس لما يُطلق عليها بالعقيدة التي تتبناها السلطة، وذلك عندما نشر الوثيقة القادرية في بيان وزع على الأمصار، وحدد فيه الأفكار المسموح تداولها، وكان ذلك سبباً في انحسار العلم والفكر والثقافة..
بعد انحسار التيار العقلي خرج أبي الحسن الأشعري بمذهب توفيقي بين الاعتزال والحنابلة في العقيدة على طريقة «وجدتها»، وقدم حلولا لإشكالية الجوهر الفرد عند المعتزلة، وأن الإنسان حر وخالق لأفعاله، ورفض الحنابلة لها..
شاع المذهب الأشعري في العقيدة في مختلف الأمصار الإسلامية، وبدأ الصراع مع الحنابلة عندما بزغ نجم ابن تيمية في الشام، وتمت محاكمته عدة مرات بتهمة التجسيم، وواجه الحنابلة مصير الطرد من مصر في عصر الأيوبيين بسبب أفكارهم المخالفة لعقيدة الأشاعرة..
بإيجاز مفرط.. لم يتغير المشهد كثيراً في الوقت الحاضر، ولن يتغير ما دامت عقولنا وطاقاتنا تُستنزف في أوجه هذا الصراع البعيد جداً عن فطرة الدين الحنيف..